للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشتملة على حكمٍ إلهيَّةٍ، لا سيَّما للأطبَّاء ولمن يعالج المرضى (١). وذلك أنَّ المريض إذا عافَ الطَّعامَ أو الشَّرابَ، فذلك لاشتغال الطَّبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزيَّة أو خمودها (٢). وكيفما كان فلا يجوز حينئذٍ إعطاء (٣) الغذاء في هذه الحال.

واعلم أنَّ الجوع إنَّما هو طلب الأعضاء للغذاء لِتُخْلِفَ الطَّبيعةُ به عليها عوضَ ما تحلَّلَ منها، فتجذبُ الأعضاء القصوى من الأعضاء الدُّنيا حتَّى ينتهي الجذبُ إلى المعِدة، فيحسُّ الإنسان بالجوع، فيطلب الغذاء. فإذا وُجِد المرض اشتغلت الطَّبيعة بمادَّته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشَّراب. فإذا أُكرِه المريض على استعمال شيءٍ من ذلك تعطَّلت به الطَّبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادَّة المرض ودفعه، فيكون ذلك سببًا لضرر المريض، ولا سيَّما في أوقات البَحارين (٤) أو ضعفِ الحارِّ الغريزيِّ أو خموده، فيكون ذلك زيادةً في البليَّة وتعجيل النَّازلة المتوقَّعة. ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال إلا ما يَحفظ عليه قوَّتَه ويقوِّيها، من غير إشغال (٥) مزعجٍ للطَّبيعة البتَّة. وذلك يكون بما لطُف قِوامُه من الأشربة


(١) الحموي: «للأطباء ولخدم المرضى».
(٢) س، ن: «جمودها»، تصحيف.
(٣) س: «إعطاؤه»، وكذا في «الأربعين الطبية».
(٤) جمع البُحران، وقد سبق تفسيره (ص ٤٠).
(٥) في ف بالعين المهملة المفتوحة، ولعله تصحيف ما أثبت من مخطوطة كتاب الحموي. وفي النسخ الأخرى ما عدا حط، ن: «اشتغال». وفي حط، ن: «استعمال»، وكذا في النسخ المطبوعة، وهذا تصحيف.