للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنَّ أخلاط البدن والرَّأس تكون متحرِّكةً هائجةً في حال الرَّمد، والجماعُ ممَّا يزيد حركتها وثورانها، فإنَّه حركةٌ كلِّيَّةٌ للبدن والرُّوح والطَّبيعة. فأمَّا البدن، فيسخُن بالحركة لا محالة، والنَّفسُ تشتدُّ حركتها طلبًا للَّذَّة واستكمالها. والرُّوح تتحرَّك تبعًا لحركة النَّفس والبدن، فإنَّ أوَّل تعلُّق الرُّوح من البدن بالقلب، ومنه ينشأ الرُّوح وتنبَثُّ في الأعضاء. وأمَّا حركة الطَّبيعة، فلأجل أن ترسل ما يجب إرساله من المنيِّ على المقدار الذي يجب إرساله.

وبالجملة: فالجماع حركةٌ كلِّيَّةٌ عامَّةٌ يتحرَّك فيها البدن وقواه وطبيعته وأخلاطه والرُّوح والنَّفس. وكلُّ حركةٍ فهي مثيرةٌ للأخلاط، مرقِّقةٌ لها، تُوجِب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضَّعيفة. والعينُ في حال رمدها أضعَفُ ما تكون، فأضرُّ ما عليها حركةُ الجماع. قال أبقراط في كتاب «الفصول» (١): وقد يدلُّ ركوبُ السُّفُن أنَّ الحركة تثوِّر الأبدان.

هذا مع أنَّ في الرَّمد منافع كثيرةً. منها ما يستدعيه من الحِمْية والاستفراغ، وتنقية الرَّأس والبدن من فضلاتهما وعفوناتهما، والكفُّ عمَّا يؤذي النَّفس والبدن من الغضب، والهمِّ والحزن، والحركات العنيفة، والأعمال الشَّاقَّة. وفي أثرٍ سلفيٍّ (٢): لا تكرهوا الرَّمد، فإنَّه يقطع عروق


(١) انظر: نسخة الحرم المكي منه (٨/أ) و «شرح الفصول» لابن أبي صادق، مخطوطة الكونجرس (ل ١٠٢).
(٢) في مصدر النقل (ق ٨٩/ب): «وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -»، والحموي ينقل من كتاب «الطب النبوي» لأبي نعيم كما صرَّح في مواضع أخرى. فالمؤلف غيَّر عبارة الحموي إلى «أثر سلفي»، وابن مفلح الصادر عن «زاد المعاد» عبَّر عنه في «الآداب الشرعية» (٢/ ٣٥٢) بقوله: «قال بعض السلف».