للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قرِّسوا الماء في الشِّنان، وصبُّوا عليهم فيما بين الأذانين». ثمَّ قال أبو عبيد: قرِّسوا، يعني: برِّدوا. وقول النَّاس: قد قرِسَ البردُ إنَّما هو من هذا، بالسِّين ليس بالصَّاد. والشِّنان: الأسقية والقِرَب الخُلْقان. يقال للسِّقاء شَنٌّ، وللقِرْبة شَنَّةٌ. وإنَّما ذكر الشِّنانَ دون الجُدُد (١) لأنَّها أشدُّ تبريدًا للماء. وقوله: «بين الأذانين» يعني أذان الفجر والإقامة، فسمَّى الإقامة أذانًا. انتهى كلامه.

قال بعض الأطبَّاء (٢): وهذا العلاج من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أفضل علاج هذا الدَّاء إذ (٣) كان وقوعه بالحجاز، وهي بلادٌ حارَّةٌ يابسةٌ، والحارُّ الغريزيُّ ضعيفٌ في بواطن سكَّانها، وصبُّ الماء البارد عليهم في الوقت المذكور ــ وهو أبرد أوقات اليوم ــ يوجب جمعَ الحارِّ الغريزيِّ المنتشر في البدن الحامل لجميع قواه، فتقوى (٤) القوَّة الدَّافعة، وتجتمع من أقطار البدن إلى باطنه الذي هو محلُّ ذلك الدَّاء، وتستظهر بباقي القوى على دفع المرض المذكور، فتدفعه بإذن الله عزَّ وجلَّ.

ولو أنَّ أبقراط (٥) أو جالينوس أو غيرهما وصف هذا الدَّواء لهذا الدَّاء لخضعت له الأطبَّاء، وعجبوا من كمال معرفته.


(١) في مطبوعة كتاب الحموي: «الجرَّة»، تحريف.
(٢) هو الحموي الكحَّال صاحب الكتاب الذي صدر عنه المؤلف.
(٣) د، س: «إذا»، وكذا في المطبوع.
(٤) هكذا في ث، ل، مخطوط الحموي. وقد اضطربت النسخ في حرف المضارعة في هذا الفعل والأفعال الآتية، وهو الياء فيها جميعًا في المطبوع.
(٥) حط، «بقراط»، وكذا في المطبوع.