وقاعدة الباب إجماعًا ونزاعًا: أنَّ سراية الجناية مضمونةٌ بالاتِّفاق، وسرايةَ الواجب مهدرةٌ بالاتِّفاق. وما بينهما ففيه النِّزاع: فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقًا. وأحمد ومالك أهدرا ضمانه. وفرَّق الشَّافعيُّ بين المقدَّر فأهدر ضمانه، وبين غير المقدَّر فأوجب ضمانه. فأبو حنيفة نظر إلى أنَّ الإذن في الفعل إنَّما وقع مشروطًا بالسَّلامة. وأحمد ومالك نظرا إلى أنَّ الإذن أسقط الضَّمانَ. والشَّافعيُّ نظر إلى أنَّ المقدَّر لا يمكن النُّقصان منه فهو بمنزلة النَّصِّ. وأمَّا غيرُ المقدَّر كالتَّعزيرات والتَّأديبات فاجتهاديَّةٌ، فإذا تلف بها ضَمِن لأنَّه في مظنَّة العدوان (١).
فصل
القسم الثَّاني: متطبِّبٌ جاهلٌ باشرت يدُه من يطبُّه، فتلِفَ به= فهذا إن علِم المجنيُّ عليه أنَّه جاهلٌ لا علم له، وأذِن له في طبِّه= لم يضمَن. ولا تخالف هذه الصُّورة ظاهرَ الحديث، فإنَّ السِّياق وقوَّة الكلام يدلُّ على أنَّه غرَّ العليلَ وأوهمه أنَّه طبيبٌ وليس كذلك. وإن ظنَّ المريضُ أنَّه طبيبٌ، وأذِن له في طبِّه لأجل معرفته، ضمِن الطَّبيبُ ما جنت يده. وكذلك إن وصف له دواءً يستعمله والعليل يظنُّ أنَّه وصَفه لمعرفته وحذقه، فتلِفَ به= ضَمِنه. والحديث ظاهرٌ فيه أو صريحٌ.