للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضُ الرُّواة مع كونه ثقةً ثبتًا، فالثِّقة يغلَط؛ أو يكون أحد الحديثين ناسخًا للآخر إذا كان ممَّا يقبل النَّسخ، أو يكون التَّعارض في فهم السَّامع، لا في نفس كلامه - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا بدَّ من وجهٍ من هذه الوجوه الثَّلاثة.

وأمَّا حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كلِّ وجهٍ ليس أحدُهما ناسخًا للآخر، فهذا لا يوجد أصلًا، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصَّادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحقُّ. والآفة من التَّقصير في معرفة المنقول والتَّمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القصور في فهم مراده - صلى الله عليه وسلم - وحملِ كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معًا. ومن هاهنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع. وباللَّه التَّوفيق.

قال ابن قتيبة في كتاب «اختلاف الحديث» له (١) حكايةً عن أعداء الحديث وأهله: قالوا: حديثان متناقضان. رويتم عن رسول الله (٢) - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «لا عدوى ولا طيرة». وقيل له: إنَّ النُّقْبة (٣) تقع بمِشفَر البعير، فتجرَب لذلك الإبل. قال: «فما أعدى الأوَّلَ» (٤). ثمَّ رويتم: «لا يُورِدْ ذو عاهةٍ على


(١) «تأويل مختلف الحديث» (ص ١٦٧).
(٢) س، ن: «عن النبي».
(٣) هي أول شيء يظهر من الجرب. وسيأتي تفسير ابن قتيبة بأنها الجرب الرطب.
(٤) أخرجه أحمد (٨٣٤٣)، وأبو يعلى (٦١١٢)، والطَّبراني في «الأوسط» (٦٧٦٦)، وغيرُهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وصحَّحه ابن حبَّان (٦١١٩). وهو في البخاريِّ (٥٧١٧، ٥٧٧٠، ٥٧٧٥) ومسلم (٢٢٢٠) بلفظ: فما بال الإبلِ تكون في الرَّمل كأنَّها الظِّباء، فيجيءُ البعير الأجربُ، فيدخل فيها فيجربها كلَّها؟! قال: «فمن أعدى الأوَّل؟!».