للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُجَّدًا} (١) [النساء: ١٥٤] أي منحنين، وإلَّا فلا يمكن الدَّخول على الجباه.

وصحَّ عنه النَّهي عن القيام وهو جالسٌ، كما تعظِّم الأعاجم بعضها بعضًا، حتَّى منَع من ذلك في الصَّلاة. وأمرَهم إذا صلَّى جالسًا أن يصلُّوا جلوسًا، وهم أصحَّاء لا عذر لهم، لئلَّا يقوموا على رأسه وهو جالسٌ، مع أنَّ قيامهم للَّه، فكيف إذا كان القيام تعظيمًا وعبوديَّةً لغيره سبحانه؟

والمقصود: أنَّ النُّفوس الجاهلة الضَّالَّة أسقطت عبوديَّة الله سبحانه وأشركت فيها مَن تعظِّمه من الخلق، فسجَدت لغير اللَّه، وركعت له، وقامت بين يديه قيام الصَّلاة، وحلفت بغيره، ونذرت لغيره، وحلقت لغيره، وذبحت لغيره، وطافت بغير بيته (٢). وعظَّمته بالحبِّ والخوف والرَّجاء والطَّاعة كما يعظَّم الخالق، بل أشدُّ! وسوَّت من تعبده من المخلوقين بربِّ العالمين. وهؤلاء هم المضادُّون لدعوة الرُّسل، وهم الذين بربَّهم يعدِلون، وهم الذين يقولون وهم في النَّار مع آلهتهم يختصمون: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]. وهم الذين قال فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥]. وهذا كلُّه من الشِّرك، والله لا يغفر أن يشرك به (٣).

فهذا فصلٌ معترضٌ في هديه في حلق الرَّأس، ولعلَّه أهمُّ ممَّا قُصِد الكلام فيه. والله الموفِّق.


(١) كذا «ادخلوا» دون الواو قبله في جميع النسخ الخطية.
(٢) في النسخ المطبوعة: «لغير بيته».
(٣) نبه بعض القراء في هامش ث على أن المصنف لم يذكر النوع الثالث من أنواع الحلق وهو الحلق للحاجة والدواء.