للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في الدُّعاء قال: «يا حيُّ، يا قيُّوم» (١).

وفي قوله: «اللَّهمَّ رحمَتك أرجو، فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عين. وأصلِحْ لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت» من تحقيق الرَّجاء لمن الخير كلُّه بيديه (٢)، والاعتماد عليه وحده، وتفويض الأمر إليه، والتَّضرُّع إليه أن يتولَّى إصلاحَ شأنه، ولا يكِلَه إلى نفسه، والتَّوسُّل إليه بتوحيده= ما (٣) له تأثيرٌ قويٌّ في دفع هذا الدَّاء، وكذلك قوله: «اللَّه ربِّي لا أشرك به شيئًا».

وأمَّا حديث ابن مسعودٍ: «اللَّهمَّ إنِّي عبدك، ابن عبدك»، ففيه من المعارف الإلهيَّة وأسرار العبوديَّة ما لا يتَّسع له كتابٌ (٤)، فإنَّه يتضمَّن الاعترافَ بعبوديَّته وعبوديَّة آبائه وأمَّهاته، وأنَّ ناصيته بيده يصرِّفها كيف يشاء، فلا يملك العبد دونه لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ لأنَّ مَن ناصيتُه بيد غيره فليس إليه شيءٌ من أمره، بل هو عانٍ في قبضته، ذليلٌ تحت سلطان قهره.

وقوله: «ماضٍ فيَّ حكمُك, عدلٌ فيَّ قضاؤك» متضمِّنٌ لأصلين عظيمين عليهما مدار التَّوحيد:

أحدهما: إثبات القدر، وأنَّ أحكام الرَّبِّ تعالى نافذةٌ في عبده، ماضيةٌ فيه


(١) تقدم تخريجه.
(٢) حط، د: «بيده».
(٣) ن: «مما»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٤) وقد شرحه المؤلف في «شفاء العليل» (ص ٢٧٤ - ٢٧٨) و «الفوائد» (ص ٣٠ - ٣٩، ١٣٥). وانظر: «أعلام الموقعين» (١/ ٣٢٥ - ٣٢٦) و «الداء والدواء» (ص ٤٨١ - ٤٨٢). و «جامع المسائل» لشيخ الإسلام (٩/ ١٣٠ - ١٣٥).