للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالرَّبيع الذي يرتع فيه الحيوان، وكذلك القرآنُ ربيعُ القلوب؛ وأن يجعله شفاء همِّه وغمِّه، فيكونَ له بمنزلة الدَّواء الذي يستأصل الدَّاء، ويعيد البدنَ إلى صحَّته واعتداله؛ وأن يجعله لحزنه كالجِلاء الذي يجلو الطُّبوعَ (١) والأصدئةَ وغيرها. فأَحْرِ (٢) بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءَه، ويُعْقِبَه شفاءً تامًّا وصحَّةً وعافيةً. والله الموفِّق.

وأمَّا دعوة ذي النُّون، فإنَّ فيها من كمال التَّوحيد والتَّنزيه للرَّبِّ تعالى واعترافِ العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهمِّ والغمِّ، وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاء الحوائج. فإنَّ التَّوحيد والتَّنزيه يتضمَّنان إثباتَ كلِّ كمالٍ للَّه وسلبَ كلِّ نقصٍ وعيبٍ وتمثيلٍ عنه. والاعترافُ بالظُّلم يتضمَّن إيمان العبد بالشَّرع والثَّواب والعقاب، ويوجب انكسارَه ورجوعه إلى الله، واستقالتَه عثرتَه، والاعترافَ بعبوديَّته وافتقاره إلى ربِّه. فهاهنا أربعة أمورٍ قد وقع التَّوسُّل بها: التَّوحيد والتَّنزيه والعبوديَّة والاعتراف.

وأمَّا حديث أبي أمامة: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزن» (٣)، فقد تضمَّن الاستعاذة من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان مزدوجان. فالهمُّ


(١) جمع الطبَع بفتح الباء، وهو الدنس.
(٢) حط، ن: «فأحرى».
(٣) سبق أن شرح المؤلف هذا الحديث في المجلد الثاني. وانظر أيضًا في شرحه: «بدائع الفوائد» (٢/ ٧١٣ - ٧١٤) و «طريق الهجرتين» (٢/ ٦٠٦ - ٦٠٧) و «مفتاح دار السعادة» (١/ ٣١٢ - ٣١٥) و «روضة المحبين» (ص ٦١ - ٦٢). وقد لخصه من مسألة في تفسير هذا الحديث لشيخ الإسلام. انظر «جامع المسائل» (٩/ ٢٠٩ - ٢١٢).