للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسل إليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن «أَطْعِمينا من شاتكم». فقالت للرَّسول: ما بقي عندنا إلا الرَّقبة، وإنِّي لأستحيي أن أُرسِل بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فرجع الرَّسول، فأخبره، فقال: «ارجع إليها، فقل لها: أرسلي بها، فإنَّها هادية الشَّاة وأقربُ الشاةِ (١) إلى الخير، وأبعدُها من الأذى».

ولا ريب أنَّ أخفَّ لحم الشَّاة: لحمُ الرَّقبة، ولحم الذِّراع والعضد. وهو أخفُّ على المعدة، وأسرع انهضامًا. وفي هذا مراعاة الأغذية الَّتي تجمع ثلاثة أوصافٍ (٢): كثرة نفعها وتأثيرها في القوى. الثَّاني: خفَّتها على المعدة وعدم ثقلها عليها. الثَّالث: سرعة هضمها. وهذا أفضل ما يكون من الغذاء، والتَّغذِّي باليسير من هذا أنفع من الكثير من غيره.

وكان يحبُّ الحلواء والعسل. وهذه الثَّلاثة ــ أعني: اللَّحم والعسل والحلواء ــ من أفضل الأغذية وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء. وللاغتذاء بها نفعٌ عظيمٌ في حفظ الصِّحَّة والقوَّة، ولا ينفر منها إلا من به علَّةٌ وآفةٌ.

وكان يأكل الخبز مأدومًا ما وجَد له إدامًا. فتارةً يأدِمَه باللَّحم، ويقول: «هو سيِّد طعام أهل الدُّنيا والآخرة». رواه ابن ماجه (٣) وغيره. وتارةً


(١) كلمة «الشاة» ساقطة من طبعتي عبد اللطيف ونشرة الرسالة وغيَّرها الفقي إلى «وأقربها».
(٢) زاد الفقي بعده: «أحدها»، وتبعته نشرة الرسالة.
(٣) برقم (٣٣٠٥) من حديث أبي الدَّرداء - رضي الله عنه -، ولفظه: «سيِّد طعام أهل الدُّنيا وأهل الجنَّة اللَّحمُ». وأخرجه أيضًا ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (١٨٥). وفي إسناده سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله، قال ابن حبَّان في «المجروحين» (١/ ٣٢٩): «سليمان شيخ يروي عن مسلمة ... بأشياء موضوعة، لا تشبه حديث الثِّقات»؛ ولذا أورده ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» (٢/ ٣٠٢)، وضعَّفه ابن كثير في «إرشاد الفقيه» (٢/ ٢٢٢)، والعراقيُّ في «المغني» (٣/ ١٤٢٨)، والسَّخاويُّ في «الأجوبة المرضية» (١/ ٧٤)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (٣٧٢٤). وفي الباب عن عليٍّ وصهيب بن سنان وربيعة بن كعب وبريدة وأنس، ولا يصحُّ منها شيء، قال العقيليُّ في «الضُّعفاء» (٣/ ٢٥٨): «لا يثبت في هذا المتن عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيء».