للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا ثناءٌ عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر، لا تفضيلٌ له على غيره، كما يظنُّ الجهَّال. وسبب الحديث أنَّه دخل على أهله يومًا، فقدَّموا له خبزًا، فقال: «هل عندكم من أُدُمٍ (١)؟». قالوا: ما عندنا إلا خلٌّ، فقال: «نعم الأُدُم (٢) الخلُّ».

والمقصود: أنَّ أكل الخبز مأدومًا من أسباب حفظ الصِّحَّة، بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده. وسمِّي الأُدُم أُدُمًا لإصلاحه الخبز وجعلِه ملائمًا لحفظ الصِّحَّة. ومنه قوله في إباحته للخاطب النَّظر: «إنَّه أحرى أن يُؤْدَم بينهما» (٣). أي أقرب إلى الالتئام والموافقة، فإنَّ الزَّوج يدخل على بصيرةٍ، فلا يندم.

وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها، ولا يحتمي عنها. وهذا أيضًا من أكبر أسباب حفظ الصِّحَّة، فإنَّ الله سبحانه بحكمته جعل في كلِّ بلدةٍ من الفاكهة ما ينتفع به أهلُها في وقته، فيكون تناولُه من أسباب صحَّتهم وعافيتهم ويغني عن كثيرٍ من الأدوية. وقلَّ من احتمى عن فاكهة بلده خشيةَ السَّقم إلا


(١) في النسخ المطبوعة: «إدام».
(٢) ما عدا الأصل (ف): «الإدام».
(٣) أخرجه التِّرمذي (١٠٨٧)، والنَّسائي (٣٢٣٥)، وابن ماجه (١٨٦٦)، وأحمد (١٨١٣٧، ١٨١٥٤)، والدَّارمي (٢٣٤٣)، وغيرهم من حديث بكر المزني، عن المغيرة - رضي الله عنه -. وفي إسناده اختلاف، وفي سماع بكر من المغيرة خلاف، وقال التِّرمذيُّ: «هذا حديث حسن»، وكذا قال البغويُّ في «شرح السنة» (٩/ ١٧)، وصحَّحه ابن الجارود (٦٧٥)، وابن القطَّان في «أحكام النَّظر» (ص ٣٨٧)، وابن دقيق العيد في «الإلمام» (٢/ ٦٢٣)، وابن الملقِّن في «البدر المنير» (٧/ ٥٠٣)، والبوصيريُّ في «المصباح» (٢/ ١٠١)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (٩٦).