للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وللمؤاكل. فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها، لأنَّ الأعضاء كلَّها تكون على وضعها الطَّبيعيِّ الذي خلقها الله سبحانه عليه، مع ما فيها من الهيئة الأدبيَّة، وأجودُ ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطَّبيعيِّ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبًا الانتصاب الطَّبيعيِّ.

وأردأ الجلسات للأكل الاتِّكاءُ على الجنب، لما تقدَّم من أنَّ المَريء وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة لا تبقى على وضعها الطَّبيعيِّ، لأنَّها تنعصر ممَّا يلي البطن بالأرض، وممَّا يلي الظَّهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التَّنفُّس (١).

وإن كان المراد بالاتِّكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس، فيكون المعنى أنِّي إذا أكلتُ لم أقعد متِّكئًا على الأوطئة والوسائد كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطَّعام، لكنِّي آكل بُلْغةً كما يأكل العبد (٢).


(١) هذا الوضع يكون إذا أكل الإنسان وهو منبطح على وجهه. وقد ذكره الحموي (ص ١٨٥) في شرح حديث ابن عمر: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه».
(٢) قال الحموي: «وإلى ذلك ذهب الخطابي». يعني: في «معالم السنن» (٤/ ٢٤٣).