للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنَّوم المعتدل ممكِّنٌ للقوى الطَّبيعيَّة من أفعالها، مريحٌ للقوَّة النَّفسانيَّة، مكثرٌ من جوهر حاملها، حتَّى إنَّه ربَّما عاد بإرخائه مانعًا من تحلُّل الأرواح.

ونوم النَّهار رديٌّ يورث الأمراض الرُّطوبيَّة والنَّوازل، ويفسد اللَّون ويورث الطِّحال، ويرخي العصَب، ويكسل ويضعف الشَّهوة، إلا في الصَّيف وقت الهاجرة. وأرداه نوم أوَّل النَّهار. وأردى منه النَّوم آخرَه بعد العصر.

ورأى عبد الله بن عبَّاسٍ ابنًا له نائمًا نومة الصُّبحة، فقال له: قُمْ (١). أتنام في السَّاعة الَّتي تقسَّم فيها الأرزاق! (٢).

وقيل (٣): نوم النَّهار ثلاثةٌ: خلُقٌ، وخُرْقٌ، وحُمْقٌ. فالخلق: نومة الهاجرة وهي خلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والخُرْق (٤): نومة الضُّحى تشغل عن أمر الدُّنيا والآخرة. والحُمْق: نومة العصر.

قال بعض السَّلف: من نام بعد العصر فاختُلِس عقلُه، فلا يلومنَّ إلا


(١) بعده في كتاب الحموي: «لا أنام الله عينك».
(٢) أخرجه الدِّينوريُّ في «المجالسة» (٢٠٤٧) من طريق ابن الأعرابيِّ قال: مرَّ عبد الله بن العبَّاس بالفضل ابنه وهو نائم نومة الضحى، فركله برجله ... وذكره بنحوه.
(٣) ساقه الحموي مع القول السابق مساقًا واحدًا كأنه جزء منه، إذ جاء فيه بعد «الأرزاق»: «أما علمت أنَّ نوم النهار ثلاثة ... » إلخ. وقد عزاه ابن عبد البر في «بهجة المجالس» (٢/ ٨٨) إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، والزمخشري في «ربيع الأبرار» (٥/ ٢٩٢) إلى خوات بن جبير، بنحوه. والمؤلف صادر عن كتاب الحموي.
(٤) في جميع النسخ المطبوعة بالحاء المهملة، وهو تصحيف.