للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ومن هنا (١) نشأ الغلط على من نُقِل عنه الإباحةُ من السَّلف والأئمَّة، فإنَّهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقًا إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدُّبر لا في الدُّبر؛ فاشتبه على السَّامع «مِنْ» بـ «في»، أو لم يظنَّ بينهما فرقًا. فهذا الذي أباحه السَّلف والأئمَّة، فغلط عليهم الغالطُ أقبحَ الغلط وأفحشَه.

وقد قال تعالى: {تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢]. قال مجاهد: سألت ابن عبَّاسٍ عن قوله تعالى: {تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فقال: تأتيها من حيث أُمِرْتَ أن تعتزلَها (٢). يعني في الحيض. وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول: في الفرج، ولا يَعْدُه (٣) إلى غيره (٤).

وقد دلَّت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين:

أحدهما: أنَّه أباح إتيانها في الحَرْث وهو موضعُ الولد، لا في الحُشِّ الذي هو موضع الأذى. وموضعُ الحرث هو المراد من قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} الآية، قال: {لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣]. وإتيانُها في قُبلها من دبرها مستفادٌ من الآية أيضًا، لأنَّه قال: {حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: من أين شئتم من أمامٍ أو من خلفٍ. قال ابن عبَّاسٍ: {لَكُمْ فَأْتُوا} يعني: الفرج (٥).


(١) ل، ن: «هاهنا»، وفي د: «هذا».
(٢) أخرجه الدَّارمي (١١٦٠)، والطَّبري في «تفسيره» (٣/ ٧٣٥)، وعزاه في «الدُّرِّ المنثور» (٢/ ٥٨٥) أيضًا لابن المنذر.
(٣) ز، س: «ولا تعده» بالتاء.
(٤) أخرجه الطَّبري في «تفسيره» (٣/ ٧٣٦)، والبيهقي في «الكبرى» (١/ ٣٠٩، ٧/ ١٩٦)، وعزاه في «الدُّرِّ المنثور» (٢/ ٥٨٥) أيضًا لابن المنذر.
(٥) أخرجه الطَّبري في «تفسيره» (٣/ ٧٤٦)، والبيهقي في «الكبرى» (٧/ ١٩٦).