للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «الصَّحيحين» (١): عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لو كان لابن آدم وادٍ من ذهبٍ لابتغى إليه ثانيًا. ولو كان له ثانٍ لابتغى إليه ثالثًا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التُّراب. ويتوب الله على من تاب».

هذا وإنَّه أعظم حائلٍ بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها، وأعظمُ شيءٍ عُصي الله به. وبه قُطعت الأرحام، وأريقت الدِّماء، واستُحِلَّت المحارم، ومُنِعت الحقوق، وتظالَمَ العباد. وهو المرغِّب في الدُّنيا وعاجلها، والمزهِّد في الآخرة وما أعدَّ الله لأوليائه فيها. فكم أميت به من حقٍّ، وأحيي به من باطلٍ، ونُصِر به ظالمٌ، وقُهِر به مظلومٌ! وما أحسن ما قال فيه أبو القاسم (٢) الحريري:

تبًّا له من خادعٍ مماذقِ ... أصفرَ ذي وجهين كالمنافقِ

يبدو بوصفين لِعَين الرَّامقِ ... زينة معشوقٍ ولون عاشقِ

وحبُّه عند ذوي الحقائقِ ... يدعو إلى ارتكاب سُخْط الخالقِ

لولاه لم تُقطَع يمينُ سارقِ ... ولا بدت مظلمةٌ من فاسق

ولا اشمأزَّ باخلٌ من طارقِ ... ولا شكا الممطولُ مطلَ العائق

ولا استعيذ من حَسودٍ مائقِ (٣) ... وشرُّ ما فيه من الخلائقِ


(١) البخاري (٦٤٣٩) ومسلم (١٠٤٨) من حديث أنس.
(٢) كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا طبعة الرسالة التي حذفت «أبو القاسم» دون تنبيه كعادتها. وذلك لأن الحريري هو القاسم بن علي وكنيته أبو محمد. أما أبو القاسم فكنية ولده عبد الله بن القاسم، والذي في النسخ سهوٌ وقع في أصل المؤلف فيما يبدو.
(٣) كذا في الأصل وغيره إلا (حط) التي فيها: «راشق» كما في النسخ المطبوعة و «المقامات»، يعني: العائن.