للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على فرائض اللَّه فلا يضيِّعها، وصبرٌ عن محارمه فلا يرتكبها، وصبرٌ على أقضيته وأقداره فلا يتسخَّطها. ومن استكمل هذه المراتب الثَّلاث استكمل الصَّبرَ. ولذَّةُ الدُّنيا والآخرة ونعيمُهما والفوزُ والظَّفرُ فيهما لا يصل إليه أحدٌ إلا على جسر الصَّبر، كما لا يصل إلى الجنَّة إلا على الصِّراط. قال عمر بن الخطَّاب: خيرُ عيشٍ أدركناه بالصَّبر (١).

وإذا تأمَّلت مراتب الكمال المكتسَب في العالم رأيتها كلَّها منوطةً بالصَّبر. وإذا تأمَّلت النُّقصان الذي يُذمُّ صاحبُه عليه ويدخل تحت قدرته رأيتَه كلَّه من عدم الصَّبر. فالشَّجاعة والعفَّة والجود والإيثار كلُّه صبر ساعةٍ.

فالصَّبرُ طِلَّسمٌ على كنز العلى ... مَن حلَّ ذا الطِّلَّسمَ فاز بكنزه (٢)

وأكثر أسقام البدن والقلب إنَّما تنشأ عن عدم الصَّبر. فما حُفِظت صحَّة


(١) علَّقه البخاريُّ في كتاب الرِّقاق، باب الصَّبر عن محارم الله، عن عمرَ بصيغة الجزم، ولفظه: «وجدنا خيرَ عيشنا بالصَّبر». ووصله ابن المبارك في «الزُّهد» (٥٨٥)، ووكيع في «الزُّهد» (١٩٨)، وأحمد في «الزُّهد» (٦١٢)، من طريق مجاهد عن عمر. ووصله أيضًا ابن أبي الدُّنيا في «الصَّبر» (٦) من طريق أبي عبيدة، عن ابن مسعود، عن عمر.
(٢) قبله في (حط) وحدها:
نزِّه فؤادَك عن سِوانا وَأْتِنا ... فجَنابُنا حِلٌّ لكلِّ منزِّهِ

وقد أنشد المصنِّف البيتين في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٧٩) و «الفوائد» (ص ٤٢، ١١٢) وفيهما: «طِلَّسمٌ لكنز وصالنا». وفي «مدارج السالكين» (٣/ ٢٣٥): «لكنز لقائنا»، ولعلَّه مغيَّر. أما هنا فالظاهر أنَّ المؤلف هو الذي تصرَّف فيه لسياق الكلام، كما تصرَّف فيهما لتضمينهما أبياته في تدبُّر القرآن. انظر: «المدارج» (١/ ٥٣٥). والظاهر أنهما من شعر بعض الشعراء المتصوفة.