للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيفسد العالم. فاقتضت حكمة الرَّبِّ سبحانه أن جعله كالملَّاحة لو ألقي فيه (١) جيف العالم كلُّها وأنتانه وأمواته لم تغيِّره شيئًا، ولا يتغيَّر على مكثه من حين خُلِق، وإلى أن يطوي الله العالم. فهذا هو السَّبب الغاييُّ لملوحته. وأمَّا الفاعليُّ فكون أرضه سبَخةً مالحةً.

وبعد، فالاغتسال به نافعٌ من آفاتٍ عديدةٍ في ظاهر الجلد. وشربه مضرٌّ بداخله وخارجه، فإنَّه يُطلق البطن، ويُهْزِل، ويُحْدِث حكَّةً وجرَبًا ونفخًا وعطشًا. ومن اضطرَّ إلى شربه فله طرقٌ من العلاج يدفع به مضرَّته:

منها: أن يجعل في قدرٍ، ويجعل فوق القدر قصَباتٌ، وعليها صوفٌ جديدٌ منفوشٌ، ويوقد تحت القدر حتَّى يرتفع بخارها إلى الصُّوف، فإذا كثر عصرُه، ولا يزال يفعل ذلك حتَّى يجتمع له ما يريد، فيحصل من البخار في الصُّوف ماءٌ عذبٌ، ويبقى في القدر الذُّعاف (٢).

ومنها: أن يحفر على شاطئه حفرةٌ واسعةٌ يرشَح ماؤه إليها، ثمَّ إلى جانبها قريبًا منها أخرى ترشِّح هي إليها، ثمَّ ثالثةٌ إلى أن يعذب الماء.

وإذا ألجأته الضَّرورة إلى شرب الماء الكدر، فعلاجه أن يلقي فيه نوى المشمش، أو قطعةً من خشب السَّاج، أو جمرًا ملتهبًا يطفأ فيه، أو طينًا أرمنيًّا أو سويقَ حنطةٍ، فإنَّ كدورته ترسُب إلى أسفل (٣).


(١) يعني: في البحر. وفي س: «فيها»، وكأن بعضهم تصرَّف فيها.
(٢) س، ل: «الزُّعاف»، وهو بالزاي والذال: سمٌّ قاتل. وكذا في نسخ «لقط المنافع» (١/ ٤٣٣) وهو مصدر النقل. وفي النسخ الأخرى: «الزُّعاق».
(٣) انظر للفقرات الأربع الأخيرة: «لقط المنافع» (١/ ٤٣٢ - ٤٣٣).