للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا موجب السُّنَّة ومقتضاها، وهو الصَّواب الذي لا يسوغُ غيرُه. وقولُ مَن قال: إنَّ حقَّها يتجدَّد، فلها الرُّجوع في ذلك متى شاءت فاسدٌ، فإنَّ هذا خرج مخرج المعاوضة وقد سمَّاه الله سبحانه: صُلحًا، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال، ولو مُكِّنت من طلب حقِّها بعد ذلك، لكان فيه تأخير الضَّرر إلى أكمل حالتيه، ولم يكن صُلحًا، بل كان مِن أقرب أسباب المعاداة، والشَّريعةُ منزَّهةٌ عن ذلك، ومن علامات المنافق أنَّه إذا وعد أخلَف وإذا عاهد غدر، والقضاء النَّبويُّ يردُّ هذا.

ومنها: أنَّ الأمة المزوَّجة على النِّصف من الحرَّة كما قضى به أميرُ المؤمنين عليٌّ، ولا يُعرَف له في الصَّحابة مخالفٌ، وهو قول جمهور الفقهاء إلا روايةً عن مالك أنَّهما سواءٌ، وبها قال أهل الظَّاهر (١). وقول الجمهور هو الذي يقتضيه العدل، فإنَّ الله سبحانه لم يسوِّ بين الحرَّة والأمة لا في الطَّلاق، ولا في العدَّة، ولا في الحدِّ، ولا في الملك، ولا في الميراث، ولا في الحجِّ، ولا في مدَّة الكون عند الزَّوج ليلًا ونهارًا، ولا في أصل النِّكاح ــ بل جعل نكاحها بمنزلة الضَّرورة ــ ولا في عدد المنكوحات، فإنَّ العبد لا يتزوَّج أكثر من اثنتين، هذا قول الجمهور. وروى الإمام أحمد (٢) بإسناده عن عمر بن


(١) ينظر «المحلى»: (١٠/ ٦٥ - ٦٦)، و «المغني»: (١٠/ ٢٥٧)، و «المبدع»: (٧/ ١٨٢).
(٢) لم نجده في «المسند» ولعله في رواية مهنّا كما سيأتي، وهو عند الشافعي في «الأم»: (٥/ ٥٥٣ - ٥٥٤)، و «المسند» (ص ١٩٨)، وعبد الرزاق (١٢٨٧٢)، وسعيد بن منصور (١٢٧٧، ٢١٨٦) وغيرهم من طريق سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر - رضي الله عنه - ، وسنده صحيح، وقد أُعلَّ بما لا يضره. انظر «علل الداراقطني»: (١/ ١٩٨)، والحديث صححه الألباني في «الإرواء» (٢٠٦٧).