للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مَن نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشَّريعة فإنَّ العدَّة إنَّما جعلت ثلاث حِيَضٍ ليطول زمن الرَّجعة، فيتروَّى الزَّوجُ ويتمكَّن من الرَّجعة في مدَّة العدَّة، فإذا لم يكن عليها رجعةٌ، فالمقصود مجرَّد براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضةٌ كالاستبراء. قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلَّقة ثلاثًا، فإنَّ باب الطَّلاق جُعِل حكم العدَّة فيه واحدًا بائنةً ورجعيَّةً.

قالوا: وهذا دليلٌ على أنَّ الخلع فسخٌ وليس بطلاقٍ، وهو مذهب ابن عبَّاسٍ وعثمان وابن عمر والرُّبيِّع وعمِّها (١)، ولا يصحُّ عن صحابيٍّ أنَّه طلاقٌ البتَّة، فروى الإمام أحمد (٢) عن يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن عَمرو، عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: الخلع تفريقٌ وليس بطلاقٍ.

وذكر عبدُ الرزاق (٣) عن سفيان، عن عَمرو، عن طاوسٍ أنَّ إبراهيم بن سعد سأله عن رجلٍ طلَّق امرأته تطليقتين، ثمَّ اختلعَتْ منه أينكحها؟ قال ابن عبَّاسٍ: نعم، ذَكَر الله الطَّلاقَ في أوَّل الآية وآخرها، والخلع بين ذلك.

فإن قيل: كيف تقولون: إنَّه لا مخالف لمن ذكرتم من الصَّحابة، وقد


(١) أما أثر ابن عباس فسيأتي، وأما أثر عثمان وابن عمر والرُّبَيِّع فقد تقدم قريبًا من طريق الليث عن نافع.
(٢) أخرجه من طريقه ابن حزم في «المحلى»: (١٠/ ٢٣٨)، وكذا الدارقطني في «السنن» (٣٨٦٩)، وسنده صحيح، قال أحمد: «ليس في الباب أصح منه». انظر «الإشراف» لابن المنذر: (٥/ ٢٦٣).
(٣) في «المصنف» (١١٧٧١)، وكذا سعيد بن منصور (١٤٥٥)، وابن أبي شيبة (١٨٧٦٦)، والبيهقي في «الكبرى»: (٧/ ٣١٦)، وسنده صحيح.