للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقوع تلك الطَّلقة والاعتداد بها، وإذا تعارضت تلك الألفاظ، نظَرْنا إلى مذهب ابن عمر وفتواه، فوجدناه صريحًا في عدم الوقوع، ووجدنا أحدَ ألفاظ حديثه صريحًا في ذلك، فقد اجتمع صريحُ روايته وفتواه على عدم الاعتداد، وخالفَ في ذلك ألفاظٌ مجملةٌ مضطربةٌ، كما تقدَّم بيانه.

وأمَّا قول ابن عمر: «وما لي لا أعتدُّ بها»، وقوله: «أرأيتَ إن عَجَز واستحمق»، فغاية هذا أن تكون روايةً صريحةً عنه بالوقوع، ويكون عنه روايتان.

وقولكم: كيف يفتي بالوقوع وهو يعلم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ردَّها عليه ولم يعتدَّ عليه بها؟ فليس هذا بأوَّل حديثٍ خالفه راويه، وله بغيره من الأحاديث التي خالفها راويها (١) أسوةٌ حسنةٌ في (٢) تقديم رواية الصَّحابيِّ ومَن بعده على رأيه.

وقد روى ابن عبَّاسٍ حديثَ بَريرة، وأنَّ بيعَ الأمَةِ ليس بطلاقها، وأفتى بخلافه (٣)، فأخَذَ النَّاسُ بروايته، وتركوا رأيه، وهذا هو الصَّواب، فإنَّ الرِّواية معصومةٌ عن معصومٍ، والرَّأي بخلافها، كيف وأصْرَح الرِّوايتين عنه موافقته لما رواه مِن عدم الوقوع.


(١) ب، ونسخة على هامش ن: «خالفها رواتها».
(٢) ب: «أسوة في تقديم».
(٣) تقدم حديث بريرة، أما فتواه فأخرجها سعيد بن منصور (١٩٤٧) والطحاوي في «مشكل الآثار»: (١١/ ١٨١)، من طريق عكرمة عنه أنه كان يقول في بيع الأَمة: «هو طلاقها»، وهذا يخالف التخيير الثابت في حديث بريرة. والمسألة في «الفتح»: (٩/ ٤٠٤).