للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأخذ بروايته، وهو قول جمهوركم بل جمهور الأمَّة على هذا، كَفَيتمونا مؤونةَ الجواب. وإن قلتم: الأخذ برأيه أَريناكم مِن تناقضكم ما لا حيلةَ لكم في دفعه، ولا سيَّما عن ابن عبَّاسٍ نفسه، فإنَّه روى حديث بَرِيرة وتخييرها، ولم يكن بيعها طلاقًا، ورأى بخلافه وأنَّ بيع الأمة طلاقها، فأخذتم ــ وأصبتم ــ بروايته وتركتم رأيه، فهلَّا فعلتم ذلك فيما نحن فيه وقلتم: الرِّواية معصومةٌ، وقول الصَّحابيِّ غير معصومٍ، ومخالفته لما رواه يحتمل احتمالاتٍ عديدةً: من نسيانٍ، أو تأويلٍ، أو اعتقادِ معارضٍ راجحٍ في ظنِّه، أو اعتقادِ أنَّه منسوخٌ أو مخصوصٌ، أو غير ذلك من الاحتمالات، فكيف يَسُوغ ترك روايته مع قيام هذه الاحتمالات؟ وهل هذا إلا تركُ معلومٍ لمظنونٍ بل مجهولٍ؟

قالوا: وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - حديث التَّسبيع من ولوغ الكلب، وأفتى بخلافه (١)، فأخذتم بروايته، وتركتم فتواه. ولو تتبَّعنا ما أخذتم فيه برواية الصَّحابيِّ دون فتواه لطال.

قالوا: وأمَّا دعواكم لنسخِ الحديث، فموقوفةٌ على ثبوت معارضٍ مقاومٍ متراخٍ، فأين هذا؟

وأمَّا حديث عكرمة عن ابن عبَّاسٍ في نسخ المراجعة بعد الطَّلاق الثَّلاث، فلو صحَّ لم يكن فيه حجَّةٌ، فإنَّه إنَّما فيه أنَّ الرَّجل كان يُطلِّق امرأته


(١) حديث التسبيع من ولوغ الكلب أخرجه البخاري (١٧٢) ومسلم (٢٧٩). وأفتى أبو هريرة بالغسل ثلاثًا، وهو عند الدارقطني في «السنن» (١٩٦، ١٩٧)، والطحاوي في «معاني الآثار» (١/ ٢٣)، والبيهقي في «الخلافيات» (٩٠٢)، وصحح سنده ابن التركماني في «الجوهر النقي» (١/ ١٤٨). وانظر المسألة في «الفتح» (١/ ٢٧٧).