للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُعِلت واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟» (١). وفي لفظٍ (٢): «أما علمتَ أنَّ الرَّجل كان إذا طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر؟ فقال ابن عبَّاسٍ: بلى، كان الرَّجل إذا طلَّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرًا من إمارة عمر، فلمَّا رأى النَّاسَ ــ يعني عمر ــ قد تَتَايَعُوا فيها، قال: أَجْرُوهنَّ (٣) عليهم». هذا لفظ الحديث، وهو بأصحِّ إسنادٍ، وهو لا يحتمل ما ذكرتم من التَّأويل بوجهٍ ما، ولكنَّ هذا كلَّه عملُ من جعل الأدلَّة تبعًا للمذهب، فاعتقد ثمَّ استدلَّ. وأمَّا من جعل المذهب تبعًا للدَّليل، واستدلَّ ثمَّ اعتقد، لم يُمكِنْه هذا العمل.

وأمَّا قول من قال: ليس في الحديث بيان أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان هو الذي يجعل ذلك، ولا أنَّه عَلِم به وأقرَّ عليه، فجوابه أن يقال: سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ أن يستمرَّ هذا الجَعْلُ الحرام ــ المتضمِّن لتغيير شرع الله ودينه، وإباحةِ الفرج لمن هو عليه حرامٌ، وتحريمِه على من هو عليه حلالٌ ــ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه خيرِ الخلق، وهم يفعلونه ولا يعلمونه، ولا يعلمه هو والوحيُ ينزل، وهو يُقِرُّهم عليه. فهَبْ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلمه، وكان الصَّحابة يعلمونه، ويُبدِّلون دينه وشرعه، والله يعلم ذلك، ولا يوحيه إلى رسوله، ولا يُعْلِمه به! ثمَّ يتوفَّى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك، فيستمرُّ


(١) أخرجه مسلم (١٤٧٢/ ١٦)، وقد تقدم.
(٢) عند أبي داود (٢١٩٩)، وقد تقدم تخريجه.
(٣) كذا في النسخ. وعند أبي داود: «أَجِيزُوهنّ» أو «أُجِيزُهنّ» على اختلاف النسخ، انظر طبعة دار القبلة (٣/ ٧٥).