للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطَّلاق بالظِّهار لزمتْه الكفَّارة. وهذا قول الشَّافعيِّ.

قال منازعوه: وهو في المعنى قول مجاهد والثَّوريِّ، فإنَّ هذا النَّفَسَ الواحد لا يُخرِج الظِّهار عن كونه موجبًا للكفَّارة، ففي الحقيقة لم يوجب الكفَّارةَ إلا لفظُ الظِّهار، وزمنُ قوله: أنت طالقٌ لا تأثير له في الحكم إيجابًا ولا نفيًا، فتعليق الإيجاب به ممتنعٌ، ولا تُسمَّى تلك اللَّحظة والنَّفس الواحد من الأنفاس عودًا، لا في لغة العرب ولا في عرف الشَّارع، وأيُّ شيءٍ في هذا الجزء اليسير جدًّا من الزَّمان من معنى العود أو حقيقته؟

قالوا: وهذا ليس بأقوى من قول من قال هو إعادة اللَّفظ بعينه، فإنَّ ذلك قولٌ (١) معقولٌ يُفهَم منه العود لغةً وحقيقةً، وأمَّا هذا الجزء من الزَّمان فلا يُفهم من الإنسان فيه العودُ البتَّة.

قالوا: ونحن نُطالبكم بما طالبتم به الظَّاهريَّة، من قال هذا القول قبل الشَّافعيِّ؟

قالوا: والله سبحانه أوجب الكفَّارة بالعود بحرف «ثمَّ» الدَّالَّة على التَّراخي عن الظِّهار، فلا بدَّ أن يكون بين العود وبين الظِّهار مدَّةٌ متراخيةٌ، وهذا ممتنعٌ عندكم، وبمجرَّد انقضاء قوله: «أنتِ عليَّ كظهر أمِّي» صار عائدًا ما لم يصله بقوله: أنتِ طالقٌ، فأين التَّراخي والمهلة بين العود والظِّهار؟ والشَّافعيُّ - رحمه الله - لم ينقل هذا عن أحدٍ من الصَّحابة والتَّابعين، وإنَّما أخبر أنَّه أولى المعاني بالآية فقال (٢): والذي عقلتُ ممَّا سمعتُ في {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}


(١) م: «هو».
(٢) كما في «مختصر المزني» (ص ٢٠٣، ٢٠٤). وانظر: «الأم» (٦/ ٧٠٣).