للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حنيفة والإمام أحمد.

وقد قال أحمد (١) في قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}، قال: الغشيان، إذا أراد أن يَغْشى كفَّر. وليس هذا باختلاف روايةٍ، بل مذهبه الذي لا يُعرَف عنه غيره أنَّه الوطء، ويلزمه إخراجها قبلَه عند العزم عليه.

واحتجَّ أرباب هذا القول بأنَّ الله سبحانه قال في الكفَّارة: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣]، فأوجب الكفَّارة بعد العود (٢) وقبلَ التَّماسِّ، وهذا صريحٌ في أنَّ العود غير التَّماسِّ، وأنَّ ما يَحْرُم قبل الكفَّارة لا يجوز كونه متقدِّمًا عليها. قالوا: ولأنَّه قصد بالظِّهار تحريمها، والعزمُ على وطئها عودٌ فيما قصدَه. قالوا: ولأنَّ الظِّهار تحريمٌ، فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التَّحريم، فكان عائدًا.

قال الذين جعلوه الوطء: لا ريبَ أنَّ العود فعلٌ ضِدُّ قوله، كما تقدَّم تقريره، والعائدُ فيما نُهِي عنه وإليه وله: هو فاعلُه لا مريده، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: ٨]، فهذا فِعلُ المنهيِّ عنه نفسه لا إرادته.

ولا يلزم أربابَ هذا القول ما ألزمهم به أصحاب العزم، فإنَّ قولهم: إنَّ العود يتقدَّم التَّكفير، والوطء متأخِّرٌ عنه، فهم يقولون: إنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} أي يريدون العود، كما قال تعالى: {يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: ٩٨]، وكقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦]، ونظائره ممَّا يطلق الفعل فيه على إرادته لوقوعه بها.


(١) كما في «المغني» (١١/ ٧٣).
(٢) م: «العزم». والمثبت من بقية النسخ موافق لما في «المغني».