للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلعانه، ولا يحلُّ له أن ينفيه (١) في اللِّعان، فإنَّها لمَّا عَلِقتْ به كانت فراشًا (٢)، وكان الحمل لاحقًا به، فزِناها لا يُزيل حكمَ لحوقه به. وإن لم يعلم حملها حالَ زناها الذي قذَفَها به فهذا يُنظر فيه؛ فإن جاءت به لأقلَّ من ستَّة أشهرٍ من الزِّنا الذي رماها به فالولد ولده، ولا ينتفي عنه بلعانه، وإن ولدتْه لأكثر من ستَّة أشهرٍ من الزِّنا الذي رماها به نُظِر؛ فإمَّا أن يكون استبرأها قبل زِناها أو لم يستبرئها، فإن استبرأها انتفى الولد عنه بمجرَّد اللِّعان، سواءٌ نفاه أو لم يَنْفِه، ولا بدَّ من ذكره عند من يشترط ذكره، وإن لم يستبرئها فهاهنا أمكن أن يكون الولد منه وأن يكون من الزَّاني، فإن نفاه في اللِّعان انتفى، وإلَّا لَحِقَ به؛ لأنَّه أمكن كونُه منه ولم يَنْفِه.

فإن قيل: فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بعد اللِّعان، ونفى الولدَ بأنَّه إن جاء يُشبِه الزَّوجَ صاحبَ الفراش فهو له، وإن جاء يُشبِه الذي رُمِيَتْ به فهو له، فما قولكم في مثل هذه الواقعة إذا لاعن امرأته وانتفى من ولدها، ثمَّ جاء الولد يُشبِهه، هل تُلحِقونه به بالشَّبه عملًا بالقافة، أو تحكمون بانقطاع نسبه منه عملًا بموجب لعانِه؟

قيل: هذا مجالٌ ضَنْكٌ وموضعٌ ضيِّقٌ تَجاذبَ أَعِنَّتَه اللِّعانُ المقتضي لانقطاع النَّسب وانتفاءِ الولد، وأنَّه يُدعى لأمِّه ولا يُدعى لأبٍ، والشَّبه الدَّالُّ على ثبوت نسبه من الزَّوج، وأنَّه ابنه مع شهادة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّها إن جاءت به على شبهه فالولد له، وأنَّه كذب عليها، فهذا مضيقٌ لا يتخلَّص منه إلا المستبصر البصير بأدلَّة الشَّرع وأسراره، والخبير بجمعه وفَرْقه، الذي


(١) بعدها في المطبوع: «عنه» وليست في النسخ.
(٢) بعدها في المطبوع: «له» وليست في النسخ.