للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول ممَّا تفرَّد به الشَّافعيُّ - رحمه الله - ، واحتجَّ له بأنَّها فُرقةٌ حاصلةٌ بالقول، فحصلت بقول الزَّوج وحده كالطَّلاق.

المذهب الثَّاني: أنَّها لا تحصل إلا بلعانهما جميعًا، فإذا تمَّ لعانهما وقعت الفرقة، ولا يُعتبر تفريق الحاكم. وهذا مذهب أحمد في إحدى الرِّوايتين عنه، اختارها أبو بكر، وقول مالك وأهل الظَّاهر. واحتُجَّ لهذا القول بأنَّ الشَّرع إنَّما ورد بالتَّفريق بين المتلاعنينِ، ولا يكونان متلاعنينِ بلعان الزَّوج وحده، وإنَّما فرَّق النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بينهما بعد تمام اللِّعان منهما، فالقول بوقوع الفرقة قبله مخالفٌ لمدلول السُّنَّة وفعلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. واحتجُّوا بأنَّ لفظ اللِّعان لا يقتضي فرقةً، فإنَّه إمَّا أيمانٌ على زناها وإمَّا شهادةٌ به، وكلاهما لا يقتضي فرقةً، وإنَّما ورد الشَّرع بالتَّفريق بينهما بعد تمامِ لعانهما لمصلحةٍ ظاهرةٍ، وهي أنَّ الله سبحانه جعل بين الزَّوجين مودَّةً ورحمةً، وجعل كلًّا منهما سَكَنًا للآخر، وقد زال هذا بالقذف، وأقامها مقام الخِزْي والعار والفضيحة، فإنَّه إن كان كاذبًا فقد فضَحَها وبهتَها ورماها بالدَّاء العضال، ونكَّس رأسَها ورؤوس قومها، وهتكَها على رؤوس الأشهاد. وإن كانت كاذبةً فقد أفسدتْ فراشَه، وعرَّضته للفضيحة والخزي والعار بكونه زوجَ بَغِيٍّ وتعليقِ ولدِ غيره عليه، فلا يحصل بعد هذا بينهما من المودَّة والرَّحمة والسَّكَن ما هو مطلوبٌ بالنِّكاح، فكان من محاسن شريعة الإسلام التَّفريقُ بينهما والتَّحريمُ المؤبَّد على ما سنذكره. ولا يترتَّب هذا على بعض اللِّعان، كما لا يترتَّب على بعضِ لعانِ الزَّوج. قالوا: ولأنَّه فسخٌ ثبت بأيمان متحالفينِ، فلم يثبت بأيمان أحدهما، كالفسخ لتحالُفِ (١) المتبايعين عند الاختلاف.


(١) في المطبوع: «لتخالف».