الفراش. واختلفوا في التَّسرِّي، فجعله جمهور الأمَّة موجبًا للفراش، واحتجُّوا بصريح حديث عائشة الصَّحيح، وأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قضى بالولد لزَمْعة، وصرَّح بأنَّه صاحب الفراش، وجعل ذلك علَّةً للحكم بالولد له، فسببُ الحكم ومحلُّه إنَّما كان في الأمة، فلا يجوز إخلاء الحديث منه وحملُه على الحرَّة التي لم تُذكَر البتَّةَ، وإنَّما كان الحكم في غيرها، فإنَّ هذا يستلزم إلغاءَ ما اعتبره الشَّارع وعلَّق الحكم به صريحًا، وتعطيلَ محلِّ الحكم الذي كان لأجله وفيه.
ثمَّ لو لم يَرِد الحديث الصَّحيح فيه لكان هو مقتضى الميزان الذي أنزله الله تعالى ليقوم النَّاس بالقسط، وهو التَّسوية بين المتماثلين، فإنَّ السُّرِّيَّة فراشٌ حسًّا وحقيقةً وحكمًا، كما أنَّ الحرَّة كذلك، وهي تُراد لما تُراد له الزَّوجة من الاستمتاع والاستيلاد، ولم يزل النَّاس قديمًا وحديثًا يرغبون في السَّراريِّ لاستيلادهنَّ واستفراشهنَّ، والزَّوجة إنَّما سمِّيت فراشًا لمعنًى هي والسُّرِّيَّة فيه على حدٍّ سواءٍ.
وقال أبو حنيفة: لا تكون الأمة فراشًا بأوَّل ولدٍ ولدتْه من السَّيِّد، فلا يلحقه الولد إلا إذا استلحقه، فيَلْحَقُه حينئذٍ بالاستلحاق لا بالفراش، فما ولدت بعد ذلك لحِقَه، إلا أن ينفيه. فعندهم ولدُ الأمة لا يَلْحَق السَّيِّدَ (١) إلا أن يتقدَّمه ولدٌ مستلحقٌ، ومعلومٌ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ألحق الولدَ بزمعة وأثبتَ نسبَه منه، ولم يَثبُتْ قطُّ أنَّ هذه الأمة ولدتْ له قبل ذلك غيرَه، ولا سأل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ولا استفصلَ فيه.