للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستعان ــ أمَّا قولكم: إنَّه لم يُلحِقه به أخًا وإنَّما جعله عبدًا، يردُّه ما رواه محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ في «صحيحه» (١) في هذا الحديث: «هو لك، هو أخوك يا عبدُ بن زَمْعة»، وليست اللَّام للتَّمليك، وإنَّما هي للاختصاص كقوله: «الولد للفراش».

فأمَّا لفظة: «هو لك عبدٌ»، فروايةٌ باطلةٌ لا تصحُّ أصلًا.

وأمَّا أمره سودةَ بالاحتجاب منه، فإمَّا أن يكون على طريق الاختيار (٢) والورع لمكان الشُّبهة التي أورثها الشَّبَهُ البيِّن بعتبة، وإمَّا أن يكون مراعاةً للشَّبَهينِ وإعمالًا للدَّليلينِ، فإنَّ الفراش دليلُ لحوق النَّسب، والشَّبه بغير صاحبه دليلُ نفيِه، فأعمل أمر الفراش بالنِّسبة إلى المدَّعي لقوَّته، وأعمل الشَّبه بعتبة بالنِّسبة إلى ثبوت المَحرميَّة بينه وبين سودة. وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها، ولا يمتنع ثبوتُ النَّسب من وجهٍ دون وجهٍ، فهذا الزَّاني يثبت النَّسب بينه وبين الولد في التَّحريم والبعضيَّة، دون الميراث والنَّفقة والولاية وغيرها، وقد يتخلَّف بعض أحكام النَّسب عنه مع ثبوته لمانعٍ، وهذا كثيرٌ في الشَّريعة، فما يُنكَر (٣) مِن تخلُّفِ المحرميَّةِ بين سودة وبين هذا الغلام لمانعِ الشَّبَهِ بعتبة؟ وهل هذا إلا محض الفقه؟

وقد عُلِم بهذا معنى قوله: «ليس لك بأخٍ» لو صحَّت هذه اللَّفظة، مع أنَّها لا تصحُّ، وقد ضعَّفها أهل العلم بالحديث، ولا نبالي بصحَّتها مع قوله لعبد: «هو أخوك». وإذا جمعتَ أطرافَ كلام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقرنت قوله: «هو أخوك»


(١) برقم (٤٣٠٣) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «الاحتياط».
(٣) في المطبوع: «فلا ينكر» خلاف النسخ. و «ما» هنا استفهامية.