للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغلام من حديث أبي هريرة، وثبت عن الخلفاء (١) الرَّاشدين وأبي هريرة، ولا يُعرَف لهم مخالفٌ في الصَّحابة البتَّةَ، ولا أنكره منكرٌ.

قالوا: وهذا غايةُ العدلِ الممكن، فإنَّ الأمَّ إنَّما قُدِّمت في حال الصِّغر لحاجة الولد إلى التَّربية والحمل والرَّضاع والمداراة الَّتي لا تتهيَّأ لغير النِّساء، وإلَّا فالأمُّ أحد الأبوين، فكيف تُقدَّم عليه؟ فإذا بلغ الغلام حدًّا يُعرِب (٢) عن نفسه، ويستغني عن الحمل والوضع وما يُعانيه النِّساء= تساوى الأبوان، وزال السَّبب الموجِب لتقديم الأمِّ، والأبوان متساويان فيه، فلا يُقدَّم (٣) أحدهما إلا بمرجِّحٍ، والمرجِّح إمَّا من خارجٍ وهو القرعة، وإمَّا من جهة الولد وهو اختياره، وقد جاءت السُّنَّة بهذا وهذا، وقد جمعهما حديث أبي هريرة، فاعتبرناهما جميعًا، ولم ندفع أحدهما بالآخر. وقدَّمنا ما قدَّمه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وأخَّرنا ما أخَّره، فقُدِّم التَّخيير لأنَّ القرعة إنَّما يُصار إليها إذا تساوت الحقوق من كلِّ وجهٍ ولم يبقَ مرجِّحٌ سواها، وهكذا فعلنا هاهنا، قدَّمنا أحدهما بالاختيار، فإن لم يَخْتَرْ أو اختارهما جميعًا عَدَلْنا إلى القرعة، فهذا لو لم يكن فيه موافقة السُّنَّة لكان من أحسن الأحكام وأعدلِها وأقطعِها للنِّزاع بتراضي المتنازعين.

وفيه وجهٌ آخر في مذهب أحمد والشَّافعيِّ، أنَّه إذا لم يختَرْ واحدًا منهما كان عند الأمِّ بلا قرعةٍ (٤)؛ لأنَّ الحضانة كانت لها، وإنَّما ينقله عنها باختياره،


(١) م، ح: «خلفائه».
(٢) بعدها في المطبوع زيادة: «فيه»، وليست في النسخ.
(٣) ص، ز: «يتقدم».
(٤) «بلا قرعة» ليست في د، ص.