للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والَّذين قدَّروا النَّفقة اختلفوا، فمنهم من قدَّرها بالحبِّ، وهو الشَّافعيُّ (١)، فقال: نفقة الفقير مدٌّ بمدِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ أقلَّ ما يُدفع في الكفَّارة إلى الواحد مدٌّ، والله سبحانه اعتبر الكفَّارة بالنَّفقة على الأهل، فقال: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ} [المائدة: ٨٩]، قال: وعلى الموسر مُدَّانِ؛ لأنَّ أكثر ما أوجب الله سبحانه للواحد مدَّينِ (٢) في كفَّارة الأذى، وعلى المتوسِّط مدٌّ ونصفٌ، نصفُ نفقةِ الموسر، ونصف نفقة الفقير.

وقال القاضي أبو يعلى (٣): هي مقدَّرةٌ بمقدارٍ لا يختلف في الكثرة والقلَّة، والواجب رِطلانِ من الخبز في كلِّ يومٍ في حقِّ الموسر والمعسر اعتبارًا بالكفَّارات، وإنَّما يختلفان في صفته وجودته؛ لأنَّ الموسر والمعسر سواءٌ في قدر المأكول وما تقوم به البنيةُ، وإنَّما يختلفان في جودته، فكذلك النَّفقة الواجبة.

والجمهور قالوا: لا يُحفظ عن أحدٍ من الصَّحابة قطُّ تقديرُ النَّفقة، لا بمُدٍّ ولا برِطلٍ، والمحفوظ عنهم بل الذي اتَّصل به العمل في كلِّ عصرٍ ومصرٍ ما ذكرناه.

قالوا: ومن الذي سلَّم لكم التَّقديرَ (٤) بالمدِّ والرِّطل في الكفَّارة؟ والَّذي دلَّ عليه القرآن والسُّنَّة أنَّ الواجب في الكفَّارة الإطعامُ فقط لا التَّمليك، قال تعالى في كفَّارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ (٥) عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا


(١) كما في «المغني» (١١/ ٣٤٩، ٣٥٠)، ومنه نقل المؤلف. وانظر: «روضة الطالبين» (٩/ ٤٠).
(٢) كذا في النسخ و «المغني». وفي المطبوع: «مدان».
(٣) كما في «المغني» (١١/ ٣٤٩).
(٤) ز: «ان التقدير».
(٥) في جميع النسخ: «فإطعام»، خطأ.