للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويَبطُل خيارها، وهو قول مالك، لأنَّها رضيتْ بعيبه ودخلتْ في العقد عالمةً به، فلم تملك الفسخ، كما لو تزوَّجت عنِّينًا عالمةً بِعُنَّته، أو قالت بعد العقد: قد رضيتُ به عنِّينًا.

وهذا الذي قاله القاضي: هو مقتضى المذهب والحجَّة.

والَّذين قالوا: لها الفسخ ــ وإن رضيتْ بالمقام ــ قالوا: حقُّها متجدِّدٌ كلَّ يومٍ، فيتجدَّد لها الفسخ بتجدُّد حقِّها. قالوا: ولأنَّ رضاها يتضمَّن إسقاط حقِّها فيما لم يجب فيه من الزَّمان، فلم يسقط كإسقاط الشُّفعة قبل البيع. قالوا: وكذلك لو أسقطت النَّفقة المستقبلة لم تسقط، وكذلك لو أسقطتْها قبل العقد جملةً ورضيتْ بلا نفقةٍ، وكذلك لو أسقطت المهرَ قبله لم يسقط، وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقُط الفسخُ الثَّابت به.

والَّذين قالوا بالسُّقوط أجابوا عن ذلك بأنَّ حقَّها من الجماع يتجدَّد، ومع هذا إذا أسقطت حقَّها من الفسخ بالعُنَّة سقطَ، ولم تملك الرُّجوع فيه.

قالوا: وقياسكم ذلك على إسقاط نفقتها قياسٌ على أصلٍ غير متَّفقٍ عليه ولا ثابتٍ بالدَّليل، بل الدَّليل يدلُّ على سقوط الشُّفعة بإسقاطها قبل البيع، كما صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «لا يَحِلُّ له أن يبيعَ حتَّى يُؤذِنَ شريكَه، فإن باعَه ولم يُؤذِنْه فهو أحقُّ بالبيع» (١). وهذا صريحٌ في أنَّه إذا أسقطها قبل البيع لم يملك طَلَبَها بعده، وحينئذٍ فنجعل هذا أصلًا لسقوط حقِّها من النَّفقة بالإسقاط، ونقول: خيارٌ (٢) لدفع الضَّرر، فسقط بإسقاطه قبل ثبوته كالشُّفعة.


(١) أخرجه البخاري (٢٢١٤)، ومسلم (١٦٠٨) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وهذا لفظ مسلم.
(٢) د: «خيارًا».