للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت هذه الأحكام كلُّها حاصلةً ببركة روايتها وصدق حديثها، فاستنبطتها الأمَّة منها وعملت بها، فما بالُ روايتها تُرَدُّ في حكمٍ واحدٍ من أحكام هذا الحديث وتُقبَل فيما عداه؟! فإن كانت حفظتْه (١) قُبِلتْ في جميعه، وإن لم تكن حفظتْه وجب أن لا يُقبل في شيءٍ من أحكامه، وباللَّه التَّوفيق.

فإن قيل: بقي عليكم شيءٌ واحدٌ، وهو أنَّ قوله سبحانه: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] إنَّما هو في البوائن لا في الرَّجعيَّات، بدليل قوله عقيبه: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، فهذا في البائن؛ إذ لو كانت رجعيَّةً لما قيَّد النَّفقة عليها بالحمل ولكان عديمَ التَّأثير، فإنَّها تستحقُّها حائلًا كانت أو حاملًا، والظَّاهر أنَّ الضَّمير في {أَسْكِنُوهُنَّ} هو والضَّمير في قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} واحدٌ.

فالجواب: أنَّ مُورِد هذا السُّؤال إمَّا أن يكون من الموجبين النَّفقةَ والسُّكنى، أو ممَّن يوجب السُّكنى دون النَّفقة، فإن كان الأوَّل: فالآية على زعمه حجَّةٌ عليه؛ لأنَّه سبحانه شرطَ في إيجاب النَّفقة عليهنَّ كونَهنَّ حواملَ، والحكم المعلَّق على الشَّرط ينتفي عند انتفائه، فدلَّ على أنَّ البائن الحائل لا نفقة لها.

فإن قال: فهذه دلالةُ المفهوم (٢) ولا نقول بها (٣).


(١) د: «حفظت». و «قبلت» ساقطة منها.
(٢) في المطبوع: «دلالة على المفهوم»، خطأ.
(٣) في المطبوع: «يقول».