النَّاس إليه ووُرِّثَ ميراثَه, حتَّى أنزل الله عزّ وجلّ في ذلك:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب: ٥]، فرُدُّوا إلى آبائهم، فمن لم يُعلَم له أبٌ كان مولًى وأخًا في الدِّين. فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول اللَّه، إنَّا كنَّا نرى سالمًا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيتٍ واحدٍ، ويراني فُضْلًا (١)، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَرضِعيه»، فأرضعتْه خمسَ رضعاتٍ، فكان بمنزلة ولدها من الرَّضاعة. فبذلك كانت عائشة تأمرُ بناتِ إخوتها وبناتِ أخواتها أن يُرضِعن من أحبَّت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمسَ رضعاتٍ، ثمَّ يدخل عليها، وأبتْ ذلك أم سلمة وسائر أزواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُدخِلن عليهنَّ أحدًا بتلك الرَّضاعة من النَّاس حتَّى يرضع في المهد، وقلن لعائشة: والله ما نَدري لعلَّها كانت رخصةً من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسالم دون النَّاس.
فتضمَّنت هذه السُّنن الثَّابتة أحكامًا عديدةً، بعضها متَّفقٌ عليه بين الأمَّة، وفي بعضها نزاعٌ.
الحكم الأوَّل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّضاعة تُحرِّم ما تُحرِّم الولادة»، وهذا الحكم متَّفقٌ عليه بين الأمَّة، حتَّى عند من قال: إنَّ الزِّيادة على النَّصِّ نسخٌ، والقرآن لا يُنسخ بالسُّنَّة، فإنَّه اضطُرَّ إلى قبول هذا الحكم وإن كان زائدًا على ما في القرآن، سواءٌ سمَّاه نسخًا أو لم يُسمِّه، كما اضطُرَّ إلى تحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها وبينها وبين خالتها مع أنَّه زيادةٌ على نصِّ القرآن، وذكر هذا مع حديث أبي القُعَيس في تحريم لبن الفحل على أنَّ المرضعة والزَّوج