للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشأنٌ، فيحصل فصلٌ بهذه بين نكاح الأوَّل ونكاح الثَّاني، ولا يتَّصل النَّاكحان. ألا ترى أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا عظُمَ حقُّه حُرِّم نساؤه بعده، وهذا اختصَّ به الرَّسول؛ لأنَّ أزواجه في الدُّنيا هنَّ أزواجه في الآخرة، بخلاف غيره، فإنَّه لو حَرُمَ على المرأة أن تتزوَّج بغير زوجها تضرَّرت المتوفَّى عنها، وربَّما كان الثَّاني خيرًا لها من الأوَّل، ولكن لو تأيَّمتْ على أولاد الأوَّل لكانت محمودةً على ذلك مستحبًّا (١) لها، في الحديث: «أنا وامرأةٌ سَفْعَاء الخدَّينِ كهاتين يومَ القيامة ــ وأومأ بالوسطى والسَّبَّابة ــ امرأةٌ آمَتْ من زوجها ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، وحبستْ نفسَها على يتامى لها، حتَّى بانوا أو ماتوا» (٢).

وإذا كان المقتضي لتحريمها قائمًا فلا أقلَّ من مدَّةٍ تتربَّصُها، وقد كانت في الجاهليَّة تتربَّص سنةً، فخفَّفها الله سبحانه بأربعة أشهرٍ وعشرًا (٣). وقيل لسعيد بن المسيَّب: ما بال العشر؟ قال: فيها يُنفَخ الرُّوح (٤). فيحصل بهذه المدَّة براءة الرَّحم حيث يُحتاج إليه، وقضاء حقِّ الزَّوج إذا لم يُحتَج إلى ذلك.


(١) ص، د، ز: «مستحب».
(٢) أخرجه أحمد (٢٤٠٠٦)، وأبو داود (٥١٤٩)، والطبراني في «الكبير» (١٨/ ٥٦)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (٦٣٥)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١١/ ١٤٥ - ١٤٦) من طرق عن النهّاس بن قَهْم عن شداد بن عبد الله عن عوف بن مالك - رضي الله عنه -. والنهاس ضعفه جمهور النقاد، وشداد لم يسمع من عوف بن مالك، وله شاهد حسن عند أبي يعلى في «مسنده» (٦٦٥١) والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (٦٤٩) من طريقين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بإسناد جيد.
(٣) كذا في النسخ منصوبًا.
(٤) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٤/ ٢٥٨).