وممَّا يُبيِّن ذلك أنَّه سبحانه قال:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٢]، وبلوغ الأجل هو الوصول والانتهاء إليه، وبلوغ الأجل في هذه الآية مجاوزته، وفي قوله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: ٢] مقاربته ومشارفته، ثمَّ فيه قولان:
أحدهما: أنَّه حدٌّ من الزَّمان، وهو الطَّعن في الحيضة الثَّالثة، أو انقطاع الدَّم منها أو من الرَّابعة، وعلى هذا فلا يكون مقدورًا لها.
وقيل: بل هو فعلها، وهو الاغتسال كما قاله جمهور الصَّحابة، وهذا كما أنَّه بالاغتسال يحلُّ للزَّوج وطؤها، ويحلُّ لها أن تُمكِّنه من نفسها، فالاغتسال عندهم شرطٌ في النِّكاح الذي هو العقد، وفي النِّكاح الذي هو الوطء.
وللنَّاس في ذلك أربعة أقوالٍ:
أحدها: أنَّه ليس شرطًا، لا في هذا ولا في هذا، كما يقوله من يقوله من أهل الظَّاهر.
والثَّاني: أنَّه شرطٌ فيهما، كما قاله أحمد وجمهور الصَّحابة، كما تقدَّم حكايته عنهم.
والثَّالث: أنَّه شرطٌ في نكاح الوطء لا في نكاح العقد، كما قاله مالك والشَّافعيُّ.
والرَّابع: أنَّه شرطٌ فيهما، أو ما يقوم مقامه، وهو الحكم بالطُّهر بمضيِّ وقت صلاةٍ وانقطاعه لأكثره كما يقوله أبو حنيفة.