للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]، ثمَّ قال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢]، وهذا هو تزوُّجها بزوجها الأوَّل المطلِّق الذي كان أحقَّ بها، فالنَّهي عن عَضْلهنَّ مؤكِّدٌ لحقِّ الزَّوج.

وليس في القرآن أنه (١) بعد بلوغ الأجل تحلُّ (٢) للخُطَّاب، بل فيه أنَّه في هذه الحال إمَّا أن يُمسِك بمعروفٍ أو يُسرِّح بإحسانٍ، فإن سَرَّح بإحسانٍ حلَّت حينئذٍ للخُطَّاب. وعلى هذا فدلالة القرآن بيِّنةٌ أنَّها إذا بلغت أجلها ــ وهو انقضاء ثلاثة قروءٍ بانقطاع الدَّم ــ فإمَّا أن يُمسِكها قبل أن تغتسل فتغتسل عنده، وإمَّا أن يُسرِّحها فتغتسل وتنكح من شاءت. وبهذا يُعرَف قدرُ فهم الصَّحابة - رضي الله عنهم -، وأنَّ مَن بعدهم إنَّما يكون غاية اجتهاده أن يفهم ما فهموه ويَعرِف ما قالوه.

فإن قيل: فإذا كان له أن يرتجعها في جميع هذه المدَّة ما لم تغتسل، فلِمَ قُيِّد التَّخييرُ ببلوغ الأجل؟

قيل: ليتبيَّن أنَّها في مدَّة العدَّة كانت متربِّصةً لأجل حقِّ الزَّوج، والتَّربُّص الانتظار، فكانت منتظرةً هل يُمسِكها أو يسرِّحها؟ وهذا التَّخيير ثابتٌ له من أوَّل المدَّة إلى آخرها، كما خُيِّر المُؤلي بين الفيئة وعدم الطَّلاق، وهنا لمَّا خيَّره عند بلوغ الأجل كان تخييره قبله أولى وأحرى، لكنَّ التَّسريح بإحسانٍ إنَّما يمكن إذا بلغت الأجل، وقبل ذلك هي في العدَّة.

وقد قيل: إنَّ تسريحها بإحسانٍ مؤثِّرٌ فيها حين تنقضي العدَّة، ولكن


(١) كذا في النسخ، وهو ضمير الشأن. وفي المطبوع: «أنها».
(٢) ص، د، ز: «محل».