للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرهم ضعَّف هذا المأخذ جدًّا، وقال: العظم يَألَم حسًّا، وألمُه أشدُّ من ألم اللَّحم. ولا يصحُّ حمل الآية على حذف مضافٍ لوجهين، أحدهما: أنَّه تقدير ما لا دليل عليه، فلا سبيل إليه. الثَّاني: أنَّ هذا التَّقدير يستلزم الإضرابَ عن جواب سؤال السَّائل الذي استشكل حياة العظام، فإنَّ أُبيّ بن خَلَف أخذ عظمًا باليًا، ثمَّ جاء به إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ففتَّه في يده، وقال: يا محمَّد! أترى الله يُحِيي هذا بعدما رَمَّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم، ويَبعثك، ويُدخِلك النَّار» (١). فمأخذ الطَّهارة أنَّ سبب تنجيس الميتة منتفٍ في العظام، فلم يحكم بنجاستها.

ولا يصحُّ قياسها على اللَّحم؛ لأنَّ احتقان الرُّطوبات والفَضَلات الخبيثة يختصُّ به دون العظام، كما أنَّ ما لا نفسَ له سائلةً لا ينجس (٢) بالموت وهو حيوانٌ كاملٌ، لعدم سبب التَّنجيس (٣) فيه، فالعظم أولى.

وهذا المأخذ أصحُّ وأقوى من الأوَّل، وعلى هذا فيجوز بيع عظام الميتة إذا كانت من حيوانٍ طاهر العين.


(١) أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» عن قتادة (٢٤٩٨) ومن طريقه ابن جرير في «تفسيره» (١٩/ ٤٨٦)، وعن الزهري (١٠٠١) ومن طريقه ابن جرير في «تفسيره» (١١/ ٨٧) مرسلًا، وأخرجه ابن جرير في «تفسيره» (١٩/ ٤٨٦) عن مجاهد مختصرًا مرسلًا أيضًا، وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (٣٦٥) عن أبي مالك غزوان الغفاري مرسلًا أيضًا، وهذه مراسيل يتقوى بمجموعها الخبر، وينظر: «صحيح السيرة النبوية» للألباني (٢٠١).
(٢) م، ح: «لا يتنجس».
(٣) في النسخ: «السمين» أو قريب من رسمه. والمثبت يقتضيه السياق.