للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والممنوع شرعًا، وما تنوَّعت منافعه إلى محلَّلةٍ ومحرَّمةٍ، فإن كان المقصود من العين خاصَّةً كان الاعتبار بها، والحكم تابعٌ لها، فاعتُبِر نوعها، وصار الآخر كالمعدوم. وإن توزَّعتْ في النَّوعين لم يصحَّ البيع؛ لأنَّ ما يقابل ما حرم منها أكْلُ مالٍ بالباطل، وما سواه من بقيَّة الثَّمن يصير مجهولًا.

قال (١): وعلى هذا الأصل مسألة بيع كلب الصَّيد، فإذا بُنِي الخلاف فيها على هذا الأصل قيل: في الكلب من المنافع كذا وكذا، وعُدِّدت جملة منافعه، ثمَّ نُظِر فيها، فمن رأى أنَّ جملتها محرَّمةٌ مَنَع، ومن رأى جميعها محلَّلةً أجاز، ومن رآها متنوِّعةً نَظَر: هل المقصود المحلَّل أو المحرَّم، فجعل الحكم للمقصود، ومن رأى منفعةً واحدةً منها محرَّمةً وهي مقصودةٌ مَنَع أيضًا، ومن التبسَ عليه كونُها مقصودةً وَقَفَ أو كره.

فتأمَّلْ هذا التَّأصيل والتَّفصيل، وطابِقْ بينهما يظهَرْ لك ما فيهما من التَّناقض والخلل، وأنَّ بناء بيع كلب الصَّيد على هذا الأصل من أفسد البناء، فإنَّ قوله: «من رأى أنَّ جملة منافع كلب الصَّيد محرَّمةٌ بعد تعديدها (٢) لم يُجِز بيعه»، فإنَّ هذا لم يقلْه أحدٌ من النَّاس قطُّ، وقد اتَّفقت الأمَّة على إباحة منافع كلب الصَّيد من الاصطياد والحراسة، وهما جُلُّ منافعه، ولا يُقتنى إلا لذلك، فمن الذي رأى منافعه كلَّها محرَّمةٌ؟ ولا يصحُّ أن تُراد منافعه الشَّرعيَّة، فإنَّ إعارته جائزةٌ.

وقوله: «من رأى جميعها محلَّلةً أجاز»، كلامٌ فاسدٌ أيضًا، فإنَّ منافعه


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «فصلًا». والكلام لابن شاس في المصدر السابق (٣/ ٣٣٧).
(٢) د: «تعديد هذا».