للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاته كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفًا (١). هذا ما لا يدل عليه اللفظ، ولو كان هو المراد لم يخفَ على خلفائه الراشدين، فيتمسَّكون بالمنسوخ ويدَعُون الناسخ.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّكم أمَّ الناسَ فَلْيخفِّفْ» (٢)، وقول أنس: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخفَّ الناس صلاةً في تمامٍ» (٣)، فالتخفيف أمر نِسْبيٌّ يرجع إلى ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمرهم بأمرٍ ثم يخالفه. وقد عَلِم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به. فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من تلك (٤) بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها. وهديه الذي كان يواظب عليه هو الحاكم في كلِّ ما تنازع فيه المتنازعون. ويدل عليه ما رواه النسائي (٥) وغيره عن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالتخفيف، ويؤمُّنا بـ (الصَّافَّات)». فالقراءة بـ (الصَّافَّات) من التخفيف الذي كان يأمر به. والله أعلم.


(١) وانظر نحو هذا الكلام في «كتاب الصلاة» (ص ٣٠٠ - ٣٠١) و «تهذيب السنن» (١/ ٢٣٢).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ الحميدي في «مسنده» (٤٥٣) من حديث أبي مسعود البدري، وهو في البخاري (٩٠) بنحوه. وبنحوه أخرجه أيضًا البخاري (٧٠٣) ومسلم (٤٦٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه مسلم (٤٦٩)، وبنحوه أخرجه البخاري (٧٠٨).
(٤) ق، م، مب، ن: «ذلك».
(٥) في «المجتبى» (٨٢٦) و «الكبرى» (٩٠٢، ١١٣٦٨) وقد سبق تخريجه (ص ٢٣٥).