للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجَّام، ولا يجب ردُّه على دافعه.

فإن قيل: فالدَّافع مالَه في مقابلة العوض المحرَّم دفعَ ما لا يجوز دفعه، بل حَجَرَ عليه فيه الشَّارع، فلم يقع قبضُه موقعَه، بل وجود هذا القبض كعدمه، فيجب ردُّه على مالكه، كما لو تبرَّع المريض لوارثه بشيءٍ، أو لأجنبيٍّ بزيادةٍ على الثُّلث، أو تبرَّعَ المحجورُ عليه لفَلَسٍ (١) أو سَفَهٍ، أو تبرَّع المضطرُّ إلى قُوتِه بذلك، ونحو ذلك. وحَرْف المسألة (٢) أنَّه محجورٌ عليه شرعًا في هذا الدَّفع، فيجب ردُّه.

قيل: هذا قياسٌ فاسدٌ؛ لأنَّ الدَّفع في هذه الصُّور تبرُّعٌ محضٌ لم يعاوض عليه، والشَّارع قد منعه منه لتعلُّق حقِّ غيره به، أو حقِّ نفسه المقدَّمة على غيره، وأمَّا فيما نحن فيه فهو قد عاوَضَ بماله على استيفاء منفعةٍ، أو استهلاك عينٍ محرَّمةٍ، فقد قبض عوضًا محرَّمًا، وأقبضَ مالًا محرَّمًا، فاستوفى ما لا يجوز استيفاؤه، وبذَلَ فيه ما لا يجوز بذلُه، فالقابض قبضَ مالًا محرَّمًا، والدَّافع استوفى عوضًا محرَّمًا، وقضيَّةُ العدل تَرَادُّ العوضينِ، لكن قد تعذَّر ردُّ أحدهما، فلا يُوجِب ردَّ الآخر من غير رجوع عوضه. نعم، لو كان الخمر قائمًا بعينه لم يستهلكه، أو دفع إليها المال ولم يَفْجُرها (٣) = وجبَ ردُّ المال في الصُّورتين قطعًا، كما في سائر العقود الباطلة إذا لم يتَّصل بها القبض.

فإن قيل: وأيُّ تأثيرٍ لهذا القبض المحرَّم حتَّى جُعِل له حرمةٌ؟ ومعلومٌ أنَّ قبض ما لا يجوز قبضه بمنزلة عدمه، إذ الممنوع شرعًا كالممنوع حسًّا،


(١) أي كونه مفلسًا.
(٢) حرف المسألة: وجهها. وفي المطبوع: «وسرّ المسألة» خلاف النسخ.
(٣) كذا في النسخ، والمعنى: لم يزنِ بها. وفي المطبوع: «ولم يفجر بها».