للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحريم حلوان الكاهن تنبيهٌ على تحريم حُلوان المنجِّم، والزَّاجر، وصاحب القرعة الَّتي هي شقيقة الأزلام، وضاربة الحصا، والعرَّاف، والرَّمَّال، ونحوهم ممَّن يُطلب منهم (١) الإخبار عن المغيَّبات، وقد نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن إتيان الكهَّان، وأخبر أنَّ من أتى عرَّافًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزِل عليه - صلى الله عليه وسلم - (٢). ولا ريب أنَّ الإيمان بما جاء به محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وبما يجيء به هؤلاء لا يجتمعانِ في قلبٍ واحدٍ، وإن كان أحدهم قد يَصدُق أحيانًا، فصدقه بالنِّسبة إلى كذبه قليلٌ من كثيرٍ، وشيطانه الذي يأتيه بالأخبار لا بدَّ له أن يَصْدُقه أحيانًا ليُغوِي به النَّاسَ ويَفتِنهم به.

وأكثر النَّاس مستجيبون لهؤلاء مؤمنون بهم، ولا سيَّما ضعفاء العقول كالسُّفهاء والجهَّال والنِّساء، وأهل البوادي، ومن لا علمَ لهم بحقائق الإيمان، فهؤلاء هم المفتونون بهم، وكثيرٌ منهم يُحسِن الظَّنَّ بأحدهم ولو كان مشركًا كافرًا بالله مجاهرًا بذلك، ويزوره، وينذر له، ويلتمس دعاءه. فقد رأينا وسمعنا من ذلك كثيرًا. وسبب هذا كلِّه خفاءُ ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحقِّ على هؤلاء وأمثالهم، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ} [النور: ٤٠]. وقد قال الصَّحابة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ هؤلاء يحدِّثوننا أحيانًا بالأمر، فيكون كما قالوا، فأخبرهم أنَّ ذلك من جهة الشَّياطين، يُلْقُون إليهم الكلمة تكون حقًّا، فيزيدون هم معها مئة كذبةٍ، فيصدَّقون من أجل تلك


(١) م، ح: «منه».
(٢) أخرجه أحمد (٩٥٣٦) والحاكم (١/ ٨) ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (٨/ ١٣٥) من حديث أبي هريرة. وأصله في مسلم (٢٢٣٠) دون زيادة «فصدقه»، وبلفظ: «لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» بدل «فقد كفر ... ».