للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول اللَّه، يأتيني الرَّجل يسألني البيعَ ليس عندي، فأبيعه منه، ثمَّ أبتاعه من السُّوق، فقال: «لا تَبِعْ ما ليس عندك». قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

وفي «السُّنن» (١) نحوه من حديث ابن عمرو لفظُه: «لا يحلُّ سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شرطانِ في بيعٍ، ولا رِبْحُ ما لم يُضْمَنْ، ولا بيعُ ما ليس عندك». قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

فاتَّفق لفظ الحديثين على نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عنده، فهذا هو المحفوظ من لفظه - صلى الله عليه وسلم -، وهو يتضمَّن نوعًا من الغَرَر، فإنَّه إذا باعه شيئًا معيَّنًا وليس في مِلْكه، ثمَّ مضى (٢) ليشتريه ويُسلِّمه له، كان متردِّدًا بين الحصول وعدمه، فكان غَررًا يُشبِه القمار، فنُهِي عنه.

وقد ظنَّ بعض النَّاس أنَّه إنَّما نُهِي عنه لكونه معدومًا، فقال: لا يصحُّ بيع المعدوم، ورَوَوا في ذلك حديثًا أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المعدوم (٣). وهذا الحديث لا يُعرف في شيءٍ من كتب الحديث، ولا له أصلٌ، والظَّاهر أنَّه مرويٌّ بالمعنى من هذا الحديث، وغَلِطَ من ظنَّ أنَّ معناهما واحدٌ، وأنَّ هذا المنهيَّ عنه في حديث حَكيم وابن عمرو لا يلزم أن يكون معدومًا، وإن كان فهو معدومٌ خاصٌّ، فهو كبيع حبل الحبلة، وهو معدومٌ يتضمَّن غررًا وتردُّدًا في حصوله.


(١) أخرجه أبو داود (٣٥٠٤) والترمذي (١٢٣٤) والنسائي (٤٦٣١) وابن ماجه (٢١٨٨) و أحمد (٦٦٧١) والحاكم (٢/ ٢١)، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
(٢) د، ز: «يمضي».
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، والظاهر أنه كما قال المصنف.