للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها وعددها ووقتها. وإن جاز عليهم تضييعُ أمر القنوت فيها جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق. وبهذا الطريق علِمنا أنه لم يكن هديه الجهر بالبسملة كلَّ يوم وليلة ستَّ مرَّات (١) دائمًا مستمرًّا، ثم يضيِّع أكثر الأمة ذلك ويخفى عليها، هذا من أمحل المحال. بل لو كان ذلك واقعًا، لكان نقلُه كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإخفات، وعدد السجدات، ومواضع الأركان وترتيبها. والله الموفِّق.

والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه جهرَ وأسرَّ، وقنَت وتَرك، وكان إسراره أكثر من جهره، وتركه للقنوت أكثر من فعله؛ فإنه إنما قنتَ عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدِم من دعا لهم، وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين. فكان قنوته لعارضٍ، فلما زال ترك القنوت.

ولم يكن يختصُّ بالفجر، بل كان يقنُت في صلاة الفجر والمغرب. ذكره البخاري في «صحيحه» (٢) عن أنس، وقد ذكره مسلم (٣) عن البراء. وذكر الإمام أحمد (٤) عن ابن عباس قال: قنَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا، في


(١) هكذا على الصواب في جميع النسخ والطبعات القديمة، وقد غيَّره الفقي غلطًا ــ وتابعته طبعة الرسالة ــ إلى «خمس مرات» دون تنبيه. وقد سبق مثله في بحث الجهر بالبسملة.
(٢) برقم (٧٩٨، ١٠٠٤).
(٣) برقم (٦٧٨).
(٤) برقم (٢٧٦٤)، وأخرجه أبو داود (١٤٤٣) والطبراني (١١/ ٣٣١) مختصرًا والبيهقي (٢/ ٢٠٠، ٢١٢). وصححه ابن خزيمة (٦١٨) والحاكم (١/ ٢٢٥)، واختاره الضياء المقدسي (١٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤).