للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك مأخوذ من الهجرة، وهو تركُ الوطن (١) والنهوضُ إلى غيره، ومنه سمِّي المهاجرون. قال الشافعي: أحبُّ التبكير إلى الجمعة، ولا تُؤتى إلا مشيًا.

هذا كلُّه كلام أبي عمر.

قلت: ومدار إنكار التبكير أوَّلَ النَّهار على ثلاثة أمور، أحدها: على لفظة «الرَّواح»، وأنها لا تكون إلا بعد الزوال. والثاني: لفظة «التهجير»، وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدَّة الحرِّ. والثالث: عمل أهل المدينة، فإنَّهم لم يكونوا يأتون من أول النهار.

فأما لفظة «الرَّواح»، فلا ريب أنَّها تُطلَق على المضيِّ بعد الزَّوال. وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قُرنت بالغُدوِّ، كقوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: ١٢]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من غدا إلى المسجد وراح أعدَّ الله له نُزُلًا في الجنَّة كلمَّا غدا وراح» (٢)، وقول الشاعر (٣):

نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجةُ مَن عاش لا تنقضي

وقد يطلَق الرَّواحُ بمعنى الذهاب والمُضيِّ، وهذا إنما يجيء إذا كانت


(١) ص، ج: «الوطر»، تصحيف.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٢) ومسلم (٦٦٩) من حديث أبي هريرة.
(٣) هو الصَّلَتان العبدي، من قصيدة له في «حماسة أبي تمام» (١/ ٦٢٢) و «الشعر والشعراء» (١/ ٥٠٢) و «معجم المرزباني» (ص ٤٩). هذا هو المشهور. وقد عزاها الجاحظ في «الحيوان» (٣/ ٤٧٧) إلى «الصَّلَتان السَّعدي» مع التصريح بأنه غير الصلتان العبدي. ولم أجد ذكرًا للسعدي في «المؤتلف والمختلف» للآمدي وغيره.