للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المساكن في عهده. ولم يكن ذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كانت فضاءً. ولهذا قيل له: يا رسول الله، ألا نبني لك بمنًى بناءً يُظِلُّك من الحرِّ؟ فقال: «لا، منًى مناخُ مَن سبق» (١). فتأوَّل عثمان أنَّ القصر إنما يكون حالَ السفر (٢). ورُدَّ هذا التأويل بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عشرًا يقصُر الصلاة.

التأويل الرابع: أنه أقام بها ثلاثًا، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا» (٣)، فسمَّاه مقيمًا، والمقيم غير المسافر. ورُدَّ هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيَّدة في أثناء السفر، ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر. وقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشرًا يقصر الصلاة، وأقام بمنًى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة.

التأويل الخامس: أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنًى واتخاذها دار الخلافة، فلهذا أتمَّ، ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة. وهذا التأويل أيضًا مما لا يقوى، فإنَّ عثمان بن عفان من المهاجرين الأولين، وقد منع النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المهاجر (٤) من الإقامة بمكة بعد نسكه، ورخَّص له فيها ثلاثة


(١) أخرجه أحمد (٢٥٥٤١) وأبو داود (٢٠١٩) والترمذي (٨٨١) وابن ماجه (٣٠٠٦، ٣٠٠٧) وابن خزيمة (٢٨٩١) والحاكم (١/ ٤٦٦، ٤٦٧) والبيهقي (٥/ ١٣٩) من حديث عائشة. وفي إسناده إبراهيم بن مهاجر، فيه لين؛ ومسيكة أم يوسف بن ماهَك، مجهولة. والحديث ضعفه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (٣/ ٤٦٨) والألباني في «ضعيف أبي داود- الأم» (١٠/ ١٩٠).
(٢) ك، ع: «في حال السفر».
(٣) أخرجه البخاري (٣٩٣٣) ومسلم (١٣٥٢) واللفظ له، من حديث العلاء بن الحضرمي.
(٤) مب: «المهاجرين».