للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما عنى الأعشى بالتغنِّي في هذا الموضع الإقامةَ، من قول العرب: غنِيَ فلان بمكان كذا، إذا أقام به. ومنه قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: ٩٢]. وأما استشهاده بقوله (١):

كلانا غنيٌّ عن أخيه حياتَه ... ونحن إذا متنا أشدُّ تغانيا

=فإنه إغفال منه، وذلك أنَّ «التغاني» تفاعل من نفسين (٢) إذا استغنى كلُّ واحد منهما عن صاحبه، كما يقال: تضارب الرجلان، إذا ضرب كلُّ واحد منهما صاحبَه وتشاتما وتقاتلا. ومن قال هذا القول في فعل اثنين لم يجُز أن يقول مثله في فعل الواحد، فيقول: تغانى زيد، وتضاربَ عمرو. وكذلك غير جائز أن يقول: تغنَّى زيد بمعنى استغنى إلا أن يريد به قائله أنه أظهر الاستغناء وهو غير مستغن، كما يقال: تجلَّد فلان إذا أظهر جلدًا من نفسه وهو غير جليد، وتشجَّع وتكرَّم.

فإن وجَّه موجِّهٌ التغنيَّ بالقرآن إلى هذا المعنى ــ على بُعده من مفهوم كلام العرب ــ كانت المصيبة في خطئه (٣) في ذلك أعظم، لأنه يوجب بذلك من


(١) في النسخ المطبوعة: «واستشهاده بقول الآخر»، وفي مصدر النقل كما أثبت من النسخ. ولعل مَن تصرَّف ظنَّ أن الضمير في «بقوله» عائد لا محالة على الأعشى! ولمثل هذا التوهم دخل البيت في ملحقات «ديوانه» (ص ٢٦١ - جاير). والبيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من أبيات سائرة له في العتاب في «عيون الأخبار» (٣/ ٧٦) و «الكامل» (١/ ٢٧٧) و «الحماسة الشجرية» (١/ ٢٥٣). وقد نسب البيت إلى غيره أيضًا. انظر: «الحماسة البصرية» (٢/ ٩٠٦) حاشية المحقق.
(٢) ما عدا ج، ك، ع: «تغنى»، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
(٣) ك، ع: «خطائه».