للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القرَّاء أمام الجنائز، ويفعله كثيرٌ من قرَّاء الأصوات، مما يتضمَّن تغييرَ كتاب الله والغناءَ به على نحو ألحان الشعر والغناء به، ويوقعون الإيقاعات عليه مثل الغناء سواءً، اجتراءً على الله وكتابه، وتلاعُبًا بالقرآن، وركونًا إلى تزيين الشيطان؛ ولا يجيز ذلك أحد من علماء الإسلام. ومعلوم أنَّ التطريب والتلحين ذريعة مفضية إلى هذا إفضاءً قريبًا، فالمنعُ منه كالمنع من الذرائع الموصلة إلى الحرام.

فهذا نهاية أقدام الفريقين، ومنتهى احتجاج الطائفتين.

وفصل النزاع أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين:

أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به، من غير تكلُّف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خُلِّي وطبعَه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين، فهذا جائز، وإن أعان طبيعتَه فضلُ تزيين وتحسين كما قال أبو موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو علمتُ أنَّك تستمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا» (١). والحزين ومن هاجه الطربُ والحبُّ والشوقُ لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكنَّ النفوس تقبله وتستحليه وتستملحه (٢) لموافقة الطبع وعدم التكلُّف والتصنُّع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكلِفٌ لا متكلِّف. فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويسمعونه، وهو التغنِّي الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثَّر به التالي والسامع. وعلى هذا الوجه تُحمَل أدلَّةُ أرباب هذا القول كلُّها.


(١) قد تقدم (ص ٦١٦).
(٢) «وتستملحه» ساقط من مب وكذا من الطبعة الميمنية وما بعدها.