للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحلق الرؤوس، ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك (١).

وسَنّ الخشوع للموت، والبكاءَ الذي لا صوت معه، وحزنَ القلب. وكان يفعل ذلك ويقول: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يُرضي الرَّبَّ» (٢).

وسَنّ لأمته الحمد والاسترجاع والرضى عن الله. ولم يكن ذلك منافيًا لدمع العين وحزن القلب، ولذلك كان أرضى الخلق عن الله عزَّ وجلَّ في قضائه وأعظمهم له حمدًا، وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفةً منه ورحمةً للولد ورقَّةً عليه، والقلبُ ممتلئ بالرضى عن الله وشكره، واللسانُ مشتغلٌ بذكره وحمده.

ولما ضاق هذا المشهدُ والجمعُ بين الأمرين على بعض العارفين يومَ موتِ ولده جعل يضحك، فقيل له: تضحك في هذه الحال؟ فقال: إنَّ الله تعالى قضى بقضاء، فأحببتُ أن أرضى بقضائه (٣). فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم، وقالوا: كيف يبكي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ موتِ ابنه، وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرِّضى بهذا العارف إلى أن ضحك؟ فسمعت شيخ


(١) أخرج البخاري (١٢٩٤، ١٢٩٧، ١٢٩٨، ٣٥١٩) ومسلم (١٠٣) من حديث عبد الله بن مسعود: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
(٢) أخرجه البخاري (١٣٠٣) ومسلم (٢٣١٥) ــ واللفظ أشبه بلفظه ــ من حديث أنس بن مالك.
(٣) حكي ذلك عن الفضيل بن عياض يوم مات ابنه عليٌّ. وقد رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «الرضى عن الله بقضائه» (ص ١٠٨) بسنده عن أبي علي الرازي. وقد سمّاه المؤلف في كتابه «تحفة المودود» (ص ١٥٦) وغيره.