للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها بل من أعظمها: إخراج دَغَل القلب من الصِّفات المذمومة، التي تُوجِب ضيقَه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البُرْءِ، فإن العبد إذا أتى بالأسباب (١) التي تَشرح صدره، ولم يُخرِج (٢) تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يَحْظَ من انشراحِ صدره بطائلٍ، وغايتُه أن تكون له مادَّتانِ تَعتَوِران على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه منهما.

ومنها: تركُ فضولِ النظرِ والكلامِ والاستماعِ والخُلْطةِ (٣) والأكلِ والنومِ، فإن هذه الفضول تستحيل آلامًا وغُمومًا وهمومًا في القلب، تَحْصُره وتَحْبِسه وتُضيِّقه ويتعذَّب بها، بل غالبُ عذاب الدنيا والآخرة منها. فلا إله إلا الله، ما أضيقَ صَدْرَ مَن ضربَ في كل آفةٍ من هذه الآفات بسهمٍ! وما أنكدَ عيشَه، وما أسوأَ حالَه، وما أشدَّ حَصَرَ قلبِه! ولا إله إلا الله، ما أنعمَ عيشَ مَن ضربَ في كل خصلةٍ من تلك الخصال المحمودة بسهْمٍ! وكانت هِمَّتُه دائرةً عليها حائمةً حولَها، فلهذا (٤) نصيبٌ وافرٌ من قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣]، ولذاك نصيبٌ وافرٌ من قوله: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤]، وبينهما مراتبُ متفاوتة لا يُحصِيها إلا الله.

والمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكملُ الخلق في كل صفة يحصل بها انشراحُ الصدر، واتساعُ القلب، وقُرَّةُ العين، وحياةُ الروح، فهو أكملُ الخلق في هذا الشرح والحياة وقُرَّةِ العين، مع ما خُصَّ به من الشرح الحسِّي. وأكملُ


(١) في المطبوع: «الأسباب». ع: «الأشياء». والمثبت من بقية النسخ.
(٢) ص، ق، ج، م: «تخرج».
(٣) في المطبوع: «والمخالطة». والمثبت من النسخ.
(٤) ص: «فلها».