الباقون فحُكمهم كحكم أهل الصلح: يُغزَون جميعًا، ثم قال:«وبهذا القول أفتينا وليَّ الأمر لما أحرق النصارى أموالَ المسلمين بالشام ودُورَهم، وراموا حَرْقَ جامعهم الأعظم حتى أحرقوا منارتَه، وكاد ــ لولا دفاع الله ــ أن يحترقَ كلُّه، وعلم بذلك من علم من النصارى وواطؤوا عليه وأقرُّوه ورضُوا به ولم يُعْلِموا به ولي الأمر. فاستفتى فيهم وليُّ الأمر من حضره من الفقهاء، وأفتيناه بانتقاض عهد مَن فعل ذلك أو أعان عليه بوجهٍ من الوجوه أو رضي به وأقرَّ عليه، وأن حدَّه القتلُ حتمًا، ولا يُخيَّر الإمام فيه كالأسير، بل صار القتل له حدًّا»(٣/ ١٦٢)، وذكر مثله في أحكام أهل الذمة (٣/ ١٢٣٤).
فإذا رجعنا إلى كتب التاريخ لمعرفة زمن هذا الحدث الذي أشار إليه المؤلف علمنا أنه وقع سنة ٧٤٠. انظر «ذيل العبر» للذهبي (ص ٢١٣)، وقد فصَّل القول فيه ابن كثير في «البداية والنهاية»(١٨/ ٤١٤).
وقد ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أنه ألفه ــ أي أخذ في تأليفه ــ حالَ السفر، ولم يشر إلى جهته، ولعله إحدى رحلاته للحج أو لغيره بعد سنة ٧٤٠، وقد حج مرات كثيرة كما ذكر تلميذه الحافظ ابن رجب في ترجمته. فهل تعطي هذه الحادثة دلالة أن الكتاب ألّف بعد سنة ٧٤٠؟ يحتمل ذلك، ويحتمل أنه مما أضافه المؤلف لاحقًا. ويظهر من بناء الكتاب ــ كما سيأتي ــ أن المؤلف أكمله في فتراتٍ مختلفة بعد أن ألقى عصا السفر وتوفَّرت له الكتب والمصادر.