للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ مسلمًا روى في «صحيحه» (١) عن عبد الله بن عبَّاسٍ أنَّه لمَّا قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ هذا اليوم تُعظِّمه اليهود والنَّصارى، قال: «إن (٢) بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التّاسع»، فلم يأتِ العام القابل حتَّى توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثمَّ روى مسلم في «صحيحه» (٣) عن الحكم [بن] (٤) الأعرج قال: انتهيتُ إلى ابن عبَّاسٍ وهو متوسِّدٌ رداءه في زمزم، فقلت له: أخبِرْني عن صوم عاشوراء، فقال: إذا رأيتَ هلال المحرَّم فاعدُدْ، وأصبِحِ التّاسعَ صائمًا. قلت: هكذا كان يصومه محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم.

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ صومه إن كان مفروضًا في أوَّل الإسلام فلم يأمرهم بقضائه، وقد فات تبييتُ النية له من اللَّيل، وإن لم يكن فرضًا فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل؟ كما في «المسند» و «السُّنن» (٥) من وجوهٍ متعدِّدةٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كان طعِمَ فيه أن يُتِمَّ بقيَّة يومه. وهذا إنَّما يكون في الواجب، وكيف يصحُّ قول ابن مسعودٍ: فلمَّا فُرِض رمضان تُرِك عاشوراء، واستحبابه لم يُترك؟

وإشكالٌ آخر، وهو أنَّ ابن عبَّاسٍ جعل عاشوراء يوم التَّاسع، وأخبر أنَّ هكذا كان يصومه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي روى عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «صوموا يوم


(١) برقم (١١٣٤/ ١٣٤، ١٣٣).
(٢) ج: «لئن».
(٣) برقم (١١٣٣).
(٤) هنا بياض في ص. وفي بقية النسخ بدون «بن». والمثبت من «صحيح مسلم».
(٥) رواه أحمد (١٦٥٢٦) والنسائي (٢٣٢١) من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - . وهو مخرج أيضًا عند البخاري (١٩٢٤) ومسلم (١١٣٥).